الاعلان المسيحاني المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية

الاعلان المسيحاني المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية

يتقدم قداسة البابا مار يوحنا بولس الثاني، أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية وقداسة مار دنخا الرابع، الجاثاليق – البطريرك لكنيسة المشرق الآشورية بالشكر لله الذي حثــَّهم على هذا اللقاء الأخوي الجديد.

إن كلاهما يعتبر هذا اللقاء خطوة أساسية على الطريق نحو استرداد الشركة الكاملة بين كنيستيهما. ويستطيعان حقاً، من الآن فصاعدًا أن يناديا معا أمام العالم بإيمانهما المشترك بسر التجسد.

نحن نعترف، كورثة وحماة للإيمان الذي تلقيناه من الرسل كما تمت صياغته من قِبل آبائنا المشتركين في القانون النيقاوي، برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، والذي نزل في ملء الزمان من السماء وصار إنساناً من أجل خلاصنا. كلمة الله، الشخص الثاني في الثالوث القدوس، تجسد بقدرة الروح القدس بإتخاذه جسدًا من مريم العذراء بُعِثَت فيه روح عاقلة، أتحد معها بلا إنحلال منذ لحظة تكونه.

لذا فإن ربنا يسوع المسيح هو إله حق وإنسان حق، تام في الوهته وتام في ناسوته، متساوٍ في الجوهر مع الآب ومتساوٍ في الجوهر معنا بكل الأشياء ما عدا الخطيئة. ألوهته وناسوته متحدان بشخص واحد، دون اختلاط أو تغيير، دون انقسام، او انفصال. فبه تم الحفاظ على اختلاف طبيعتيَ، الألوهة، والناسوت، بكل خصائصهما، قدراتهما وعملهما.

ولكن بعيدًا عن تشكيل ( واحدٍ وآخر )، فالألوهة والناسوت متحدان في شخص ابن الله الرب يسوع المسيح الفريد الذي لا يتغيّر، والذي هو محط تقديس وحداني.

لذا فالمسيح ليس ” إنسانًا عاديًا “ تبناه الله ليقيم فيه ويلهمه، كما هو الحال في الصالحين والأنبياء. لكنه الله الكلمة الذي لا يتغيّر، المولود من أبيه قبل كل العالم بلا بداية بحسب ألوهته، ولد من أم بلا أب في آخر الزمان بحسب ناسوته. إن الناسوت الذي ولدته العذراء مريم كان أبدًا ناسوت ابن الله نفسه. ولهذا السبب تتوجه كنيسة المشرق الآشورية بصلاة مريم العذراء على انها ” والدة المسيح إلهنا ومخلصنا “. في ضوء نفس الإيمان هذا يتوجه التقليد الكاثوليكي إلى مريم العذراء على أنها ” والدة الله “ وكذلك ” والدة المسيح “. اننا نعترف كلانا بشرعية وصحة هذين التعبيرين لنفس الإيمان، ونحترم كلانا تفضيل كل كنيسة لتعبير على الآخر في حياتها الليتورجية وعبادتها.

هذا هو الإيمان الأوحد الذي نعترف به بسر المسيح. لقد ادى جدل الماضي إلى الحرومات Anathemas ، التي وقعت على الأشخاص والصيغ. إن روح الرب تسمح لنا بأن نفهم بشكل أفضل اليوم بأن الإنقسامات التي جاءت على هذا النحو كانت غلى حدٍ كبير بسبب سوء التفاهم.

أيّاً كان إختلافنا المسيحاني، فنحن نختبر أنفسنا متحدين اليوم في الاعتراف بنفس الإيمان بإبن الله الذي صار إنسانًا بحيث نكون أبناء الله بنعمته. نأمل من الآن فصاعدًا أن نشهد معًا لهذا الإيمان بالواحد الذي هو الطريق، والحق، والحياة، منادين به بطرق مناسبة إلى مَن يعاصرنا بحيث يؤمن العالم بإنجيل الخلاص.

إن سر التجسد الذي نشترك في الإعتراف به ليس حقيقة مُجرّدة مُنعزلة. انه يُشير الى ابن الله الذي أُرسِل ليُخلصنا.

يكتمل تدبير الخلاص، الذي يعود مصدره إلى سر شركة الثالوث القدوس – الآب والابن والروح القدس – من خلال المشاركة في هذه الشركة، بالنعمة، ضمن الكنيسة الواحدة المُقدّسة الجامعة الرسولية التي هي شعب الله، جسد المسيح وهيكل الروح.

يصبح المؤمنون أعضاء في هذا الجسد من خلال سر العماد المقدس، الذي يولدون ثانيةً من خلاله، بالماء وبعمل الروح القدس، مخلوقات جديدة. يثبتون بخاتم الروح القدس الذي يمنح سر المسوح المقدس، إن شركتهم مع الله ومع انفسهم تتحقق كاملةً بالاحتفال بتقدمة المسيح الفريدة في سر القربان المُقدس. تُعاد هذه الشركة للخطأة الأعضاء في الكنيسة عندما يتصالحون مع الله ومع بعضهم البعض من خلال سر الغفران. ويؤكد سر سيامة الكهنوت في الخلافة الرسولية صدق الإيمان، والأسرار والشركة في كل كنيسة محلّية.

ينجم عن العيش في هذا الإيمان وهذه الأسرار، ان البعض من الكنائس الكاثوليكية والبعض من الكنائش الآشورية يمكنها أن تعترف الواحدة بالأخرى على أنها كنائس شقيقة. تفترض الشركة مُسبقًا، حتى تكون كاملة وكُليّة، الاجماع فيما يتعلق بمضمون الإيمان، الأسرار ودستور الكنيسة. بما أن هذا الإجماع الذي نهدف إليه لم يتم التوصل إليه بعد، فلا يمكننا لسوء الحظ أن نحتفل معًا بالقربان المُقدس الذي هو علامة الشركة الكنائسيّة التي تمت استعادتها كاملة.

ومع ذلك، فإن الشركة الروحية العميقة في الإيمان والثقة المُتبادلة الموجودة بين كنائسنا تخولنا من الآن فصاعدًا أن نقوم بالشهادة معًا لرسالة الإنجيل وبالتعاون في حالات رعوية معينة، بما فيها نواحي التعليم بشكل خاص وإيجاد كهنة مُستقبليين.

نعاهد انفسنا ونحن نشكر الله الذي جعلنا نكتشف من جديد ما يوَحّدنا في الإيمان والأسرار، على ان نقوم بكل ما يمكن القيام به لإزالة عقبات الماضي التي ما زالت تمنعنا من الحصول على الشركة الكاملة بين كنائسنا، بحيث نستطيع أن نستجيب بشكل افضل لدعوة الرب من أجل الوحدة التي هي ملكه، وحدة يتعيّن التعبير عنها بشكل مرئي، للتغلب على هذه العقبات. نؤسس الآن لجنة مُختلطة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية.

ألقيت في ..

كنيسة القديس بطرس

في

11 \ تشرين الثاني \ 1994

+ الجاثاليق مار دنخا الرابع                              + يوحنا بولس الثاني

كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الغربية الكاثوليكية وفــــاق و وئــــــام

 كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الغربية الكاثوليكية
وفــــاق و وئــــــام

مثلث الرحمات مار نرسي دي باز
مطران لبنان وسوريا لكنيسة المشرق الآشورية

يبدو للوهلـة الأولى بأن الحديث عن الوفاق والوئام بين كنيستين رسوليتين، أو حتى بين الكنائس الأخرى، مسألة مستغربة ومثيرة للعجب والتساؤل في ظل إيماننا المسيحي الذي يقوم بالأساس على المحبة والوفاق والوئام والتسامح بين جميع أبناء البشر دون أي تمييــز. لقد علمنا ربنا يسوع المسيح كيف نحب بعضنا البعض، فالكتاب المقدس زاخر بإصحاحات وأمثال في هذا المجال ومعروفة للكثير من ألمؤمنين لا بل ويعلمنا يسوع أيضا كيف نحب حتى أعداؤنا ويأمرنا ويقول ” أحبوا أعداؤكم ” (متى 5:44 ).

هكذا علمنا ربنا يسوع المسيح وبشر رسله الأطهار بين جميع شعوب العالم، فكيف والحال بيننا نحن رجال الدين الذين نمثل مملكة الرب على الأرض ونحمل رسالته في المحبة والوئام والوفاق ونسعى إلى ترسيخها بين أبناء رعية كنائسنا؟ فكل كنائس العالم بمختلف اتجاهاتها ومعتقداتها تجمع على هذه المبادئ وتدعو إلى هذه الرسالة. إذن ما الذي يدعونا إلى أن نطرح مواضيع محاطة بالكثير من التساؤلات والبحوث حول المبادئ المسيحية في الوفاق والوئام طالما يجمع عليها معظم كنائس العالم وبالأخص الكنيستين الآشورية والغربية الكاثوليكية، موضوع بحثنا هذا، طالما هي مسألة أساسية في إيماننا المسيحي لا يستوجبها البحث والتساؤل حولها. هذا من الناحية الروحية والمثالية التي لا تشوبها أية شائبة في إيمان الكنيستين الآشورية والغربية الكاثوليكية. أما من الناحية الواقعية والفعلية فالأمر يختلف كثيراً وهو الذي يشكل مصدر كل هذه التساؤلات في البحث والتقصي عن قيم المحبة والوئام والوفاق والتسامح ومن ثم الكشف عنها وترسيخها بين الكنيستين وطبقاً للمبادئ التي تعلمناها من ربنا يسوع المسيح. فلو حاولنا، ولو بقليل من الجهد والبحث، عن مصدر هذه التساؤلات التي تدفعنا لطرح هذا الموضوع لوجدناه في كلمة واحدة وهي الســياسة، ربما الأصح في كلمتين وهما السياسة المكيافيليــة. واقصد بهذه السياسة سعي الدول بكل الوسائل ولدرجة وصلت حتى إلى استغلال الدين والكنائس وتسخيرها من دون أي وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني من أجل تحقيق مصالحها الخاصة البعيدة كل البعد عن أبسط القيم السماوية والأرضية.

أي بهذا المعنى أقصد بأن السياسة بما تتضمنها من مؤثرات فكرية واجتماعية واقتصادية هي التي وضعت الحدود وبنت السدود بين مثاليتنا الروحية في فهم القيم المسيحية وبين الواقع الذي نشأت فيه كنائســنا وهي التي شوهت أيضاً ،عبر التاريخ الطويل، مفاهيم الوفاق والوئام القائمة، أو التي كان من الواجب قيامها في الواقع الفعلي بين الكنيستين الآشورية والكنيسة الغربية الكاثوليكيـة. فبسبب هذه السياسة المكيافيلية طغت إفرازاتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية على سطح العلاقات بين الكنيستين منذ أمد بعيد وظهرت ضمن هذه الإفرازات وكأنها علاقات تفتقر إلى الحد الأدنى من الوفاق والوئام وتسودها القطيعة والجفاء أن لم نقل البغض والعداء، في الوقت الذي تعتبر مبادئ الوفاق والوئام التي تعلمناها من ربنا يسوع المسيح أساس وجود كلا الكنيستين. فمن هذا المنطلق نقول، كلما طغت السياسة المكيافيلية وتعاظم تأثير إفرازاتها المختلفة على الشعوب بما فيها مؤسساتها الروحية، وأقصد الكنائس بالذات، تضاءلت أو اضمحلت المبادئ المسيحية في الوفاق والوئام والمحبة والتسامح في ما بينها. والعكس صحيح أيضا، فكلما تضاءلت أو تلاشت السياسة المكيافيلية وقلّ تأثير إفرازاتها المختلفة على الشعوب وكنائسها برزت وتعاظمت المبادئ المسيحية في الوفاق والوئام والمحبة والتسامح بين الكنائس المختلفة واقتربت من النبع المسيحي الأول الذي شربت منه جميع الكنائس. فهذه الحقيقة المنطقية تنطبق في أجلّ صورها على طبيعة العلاقة بين الكنيستين الآشورية والغربية الكاثوليكية والتي خضعت خضوعاً مباشراُ ومؤثراً إلى إفرازات السياسة المكيافيلية لبعض الدولة الكبرى وبالأخص بريطانيــا وفرنســا أبان تصاعد حدة نزعتهما الاستعمارية التنافسية في القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين، وبالتالي أبعدت كلا الكنيستين في الواقع الفعلي عن منبعهما المسيحي المشترك في الوفاق والوئام فظهرت العلاقة بينهما متصفة بالجفاء والعداء مبتعدة بمسافات بعيدة عن إيمانهم الحقيقي والصميمي وعن تعاليم معلمنا الأول سيدنا المسيح في الوفاق والوئام الواجب توفرها لا بين كنيسة وكنيسة فحسب أو بين فرد وفرد بل بين جميع شعوب الأمم المعمورة، وهو الواجب الذي حملته كنيستنا الآشورية على عاتقها في هذه الأيام في التطهر من السياسة المكيافيلية وتأثيراتها في بناء علاقتها مع جميع الكنائس وبالأخص الغربية الكاثوليكية منها والتي يتحقق جانب منها في خطوات التفاهم والتقارب نحو الوحدة بين شقي كنيسة المشرق، وأقصد كنيستنا الآشورية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية .

والتاريخ البعيد والقريب يؤيد ما ذهبنا إليه. فمن الحقائق التاريخ المعروفة لدينا هي أنه بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية في عام 605 ق.م. أنحصر كيانها السياسي في أعالي بلاد آشــور وفي دويلات صغيرة وضمن مناطق تقاطع دوائر الصراع الفارسي والاغريقي ثم البيزنطيني المستمر والتي كانت تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي. ومن هذه المناطق، وتحديداً من منطقة أورهي أو أورفه، حاليا في جنوب شرقي تركيا والمعروفة عند الغرب بـ “أوديسا”، أنطلق أيماننا في بناء الصخرة الأولى في كنيستنا وعلى يدي مار أدي الرسول ثم تلاميذه ماري ومار أجاي والذي توسع هذا الإيمان حتى وصل إلى أقاصي الصين ومنغوليا بحيث تمكن مؤمنو هذه الكنيسة من بناء إمبراطورية روحية واسعة عوضتهم عن فقدانهم لإمبراطوريتهم المادية القديمة فأصبحت إمبراطوريتهم الجديدة جزء من حياتهم ووجودهم أستوجب الحفاظ عليها وعلى إيمانهم المسيحي واستمراره وتواصله حتى اليوم الكثير من التضحيات بالأرواح والدماء، وهي تضحيات مقرونة بملاحم عجيبة في التضحية والفداء من أجل كلمة الرب، وتفاصيلها مذكورة في الكثير من الكتب والوثائق التاريخية ولا نرى المجال متسع للإطناب فيها لأنها معروفة للداني والقاصي.

ومن الملاحظ في تاريخ كنيسة المشرق الآشورية بأنه رغم انتشارها في مناطق واسعة وشمولها لشعوب مختلفة ومتعددة واستمرارها لقرون طويلة إلا أن أتباعها كانوا وعلى الدوام يشكلون أقلية بين بقية الشعوب والمعتقدات، ولم يكن حاكم أو ملك ذو شأن من أتباعهم، وظلوا عبر التاريخ الطويل وحتى اليوم أقلية لا دولتية، أي لم يؤسس أتباعها أية دولة أو كيان سياسي مستقل خاص بهم أو ارتبطوا بدولة أخرى تبنت نفس معتقداتهم، وهذا بالأساس كان يرجع إلى كون كل اهتمامهم وحياتهم مكرسة لخدمة مملكة الرب وبالتالي لم تشغل مملكة الأرض أي اهتمام عندهم. من هذا المنطلق، أي بسبب الافتقار إلى كيان سياسي فاعل ومؤثر قادر على توفير الحماية أو الصيانة اللازمة لكنيسة المشرق من المؤثرات السياسية الخارجية نرى بأن كنيسة المشرق الآشورية خضت وتأثرت تأثراً كبيراً ومباشراً بسياسة الدول الأخرى وعجزت عن مقاومتها وبالتالي تعرضت لتأثير سياسيات الدول التي خضعت إليها، ابتداءً من الدول الفارسية ثم البيزنطينية والإسلامية فالعثمانية والأوربية بما فيها بريطانيا وفرنسا. وطبقا لهذه السياسات، التي فرضت بالحديد والنار على رؤساء الكنيسة ورعيتها أو استغلت ظروفهم المأساوية لفرضها عليهم، تحددت طبيعة علاقتها مع الكنائس الأخرى التي خضعت هي الأخرى إلى سياسات الدول، وخاصة الدول التي كانت في عداء وحروب مستمرين كالإمبراطوريتين الفارسية والرومانية ثم البيزنطينية كما كان في السابق، والامبراطورية العثمانية والدول الغربية كما كان في القرون القليلة الماضية، فانعكست هذه الصراعات، بكل ما تحمله من طابع سياسي وفكري وحضاري، في طبيعة علاقات كنيسة المشرق الآشورية مع الكنائس الأخرى، فأصابها الكثير من الجفاء والقطيعة والعزلة، خاصة بعد منتصف القرن الميلادي الرابع فكانت تلك الفترة البداية الأولى في بناء السدود بين كنيستنا والكنائس الغربية الأخرى والتي استمرت قرون طويلة وحتى إلى وقت قريب من عصرنا.

وبقدر تعلق الأمر بمبادئ الوفاق والوئام من الناحية الروحية في طبيعة علاقة كنيستنا مع الكنيسة الغربية الكاثوليكية ومدى تأثرها بالسياسات المكيافيلية منذ القرن السادس عشر الميلادي، وهو القرن الذي بدأت الدول الغربية وكنائسها الاهتمام بالعالم الشرق الأوسطي وبمسيحييه وكنائسه، ومدى قدرة هذه السياسات في تحويل هذه الطبيعة الروحية للعلاقة بينهما إلى نوع من الجفاء والخصام نلاحظ بأنه مرة أخرى انعكاس تأثيرات مملكة الأرض المتمثلة في الأطماع الاستعمارية للدولتين البريطانية والفرنسية وحتى الروسية وصراعهما على ممتلكات الرجل المريض، أي الدولة العثمانية، على طبيعة العلاقة بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الغربية الكاثوليكية، وبالأخص الكلدانية منها، وطغت على المبادئ الروحية الصميمية في الوفاق والوئام التي تجمعهم ككنيسة واحدة ذات طقس ولغة وشعب واحد . وتجلت مكيافيلية هذه السياسات وبكل وضوح في ادعاء هذه الدول في حماية الاقليات المسيحية ومساعدتهم للتخلص والتحرر من ظلم واستبداد الأتراك في القرن الماضي كأسلوب لتنفيذ مأربهم السياسية عن طريق استغلال الدين. لذلك كان لازماً على كل دولة اللجوء إلى الطائفة الأقرب إليها من حيث المعتقد سعياً لتحقيق هذه السياسات، كما كان لازماً عليها أيضا في تعزيز موقف هذه الطائفة وتعظيم نفوذها في الدولة العثمانية أن تحاول تحقير الطوائف الأخرى والنيل منها. فهكذا استطاعت الدولة الفرنسية، سواء عن طريق مبشريها أو قناصلها أو مفكريها، أن تزرع في نفوس وعقول أبناء الطائفة الكلدانية الكاثوليكية مفاهيم تقوم على اعتبار أبناء كنيسة المشرق الآشورية مجرد نساطرة وكفرة وملحدين وغيرها من الشتائم التي زادت من الشقاق والخصام بين الكنيستين. وعلى الجانب الاخر، وأقصد كنيسة المشرق الآشورية، كان تأثير السياسة المكيافيلية الإنكليزية أكثر قوة وعمقاً وذلك لسببين : أولهما كون بريطانيا هي الدولة الأكثر نفوذاً ومصلحة في المنطقة وخاصة في العراق. وثانيهما عدم وجود لبريطانيا طائفة قوية في الدولة العثمانية ثم في العراق من اتباع الكنيسة الإنكليكانية للاعتماد عليها في تنفيذ سياستها فوجدت في استقلالية كنيسة المشرق الآشورية وفي عدم وجود من يستجيب لاستغاثتها وهي غارقة في المذابح والفواجع والتشرد، فرصة ذهبية لاستغلالها من دون أي وازع أخلاقي وديني وأنساني لتحقيق مآربها الاستعمارية. فنجحت فعلاً في تحقيق الكثير من أهدافها ومنها الهدف المتعلق بموضوعنا في زرعها لبعض المفاهيم السيئة في نفوس وعقول أبناء كنيستنا عن أخوتنا أبناء الطائفة الكلدانية وفي اعتبارهم مجرد ( قليبايـه) ، والذي يعني باللغة الاشورية السريانية بـ ” المتحول من مذهب إلى مذهب أخر ” أي الذين باعوا أنفسهم للغرب مقابل بعض الفرنكات، وهكذا غيرها من الشتائم التي تناقلها الطرفين وحتى أيامنا هذه ولا يزال يتناقلها البعض الغارقون في النزعات الطائفية والنائمون في ظلام الماضي الأليم.

واليوم هو غير الأمس و بجميع جوانبه الموضوعية والفكرية، فلا عزلة هيكاري ولا التقوقع الفكري ينفعان في هذا الزمان، زمن الكومبيوتر والبريد الالكتروني والانترنت والستلايت. كما لا تنفع الأساليب والمناهج العتيقة في التعبير عن أصالة كنيسة المشرق الآشورية وعن ومعتقداتها أثناء تعاملها مع بقية الكنائس المسيحية خاصة بعد أن تسلح أبناء رعيتها بسلاح العلم والمعرفة واكتسبوا مناهج علمية معاصر في التعبير عن أصالتهم التاريخية قادرة على الدخول في تفاهم ووفاق ووئام مع بقية الكنائس المسيحية بعقلية علمية منفتحة. وكان اجتماع قداسة البطريرك مار دنخا الرابع مع الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني وصدور البيان عنهما في الإيمان المسيحاني المشترك بين كنيسة المشرق الآشورية وكنيسة روما الكاثوليكية في أواخر شهر تشرين الثاني( نوفمبر) 1994 نموذجاً رائعاً في إزالة الغشاء التاريخي الأسود الذي كان يغطي مفاهيم الوفاق والوئام القائمة بين الكنيستين الرسوليتين. وتأتي المباحثات الأخوية بين شقي كنيسة المشرق، الآشورية والكلدانية، الهادفة إلى إزالة الاختلافات بينهم نحو تحقيق الوحدة وإعادة أمجاد هذه الكنيسة التاريخية إلى الحاضر المعايش خطوة تطبيقية للبيان المسيحاني المشترك، وهو نفس الأمل الروحي الذي نأمل من لقائنا وتشاورنا مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية ومع بقية كنائس العالم في بناء أسس الوفاق والوئام بيننا. وكانت مقررات المجمع السنهادوسي لكنيستنا في صيف عام 1997 والخاصة برفع وإلغاء،ومن غير رجعة ، مخلفات الماضي الأليمة التي كانت تعكر الطبيعة الروحية النقية لكنيسة المسيح، تأكيداً واضحاً وصريحاً من كنيستنا في رغبتها الجامحة في الكشف عن الأسس الجوهرية لها في الوفاق والوئام والمحبة وبناء علاقاتها مع بقية كنائس العالم من أجل إقامة الصرح المسيحي الأخوي في كنائسنا نجتمع فيه جميعاً مع ربنا يسوع المسيح ونحقق ما قاله “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي ، فأنا هناك في وسطهم” ( متى 18:20 ).

وانطلاقا من أيماننا العميق بهذه المبادئ المسيحية الطاهرة ومن هذا المنبر الحر أقترح أن تكون سنة 2000 سنة وفاق ووئام بين جميع كنائس العالم، وتحقيقاً للخطوة الأولى بهذا الشأن أقترح تشكيل مجلس أعلى لبطاركة كنائس المشرق السريانية وأترك تفاصيل هذا المقترح إلى المجتمعين في هذا المؤتمر للتداول فيها والبحث عن إمكانية الخروج بهذا المقترح إلى النور.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++
ألقي هذا الموضوع في المؤتمر الثاني للجبهة الثقافية السريانية المنعقدة في بيروت في 1/5/1998

مقتطفات من أقوال القديس يوحنا الذهبي الفم عن توبة أهل نينوى

مقتطفات من أقوال القديس يوحنا الذهبي الفم عن توبة أهل نينوى

الشماس نجيب ننو

هلموا لنرسوا قاربنا في بحر توبة اهل نينوى، لنرى من شابهوا الكواسر يدركون رتبة الملائكة. لنرى الذين دمروا المدينة كيف يعيدون بنائها بطريقة فائقة. لنرى من كانوا أعداء الله بالامس يصيرون أصدقائه اليوم، والذين كان السيد متهماً لديهم قبلاً، ينجحون في اقتنائه مدافعاً عنهم. لنرى المحكوم عليهم يسعون لدى القاضي الذي أدانهم، فيلغون الحكمْ.

سمعنا ان المدينة لدى استقبالها النبوة عنها لم تسقط في اليأس، بل دعت إلى التوبة، وبينما لم يكن لها مرشداً للخلاص، بدأت في عبادة الله ومصالحته، فيا ترى ماذا فعلت من أجل هذه المصالحة؟

النساء والاولاد يلبسون المسوح، وكل المهن والأعمال البشرية تتوقف، لا أحد يقوم باي عمل، حزن بلغ الجميع وصراخ أرتفع إلى السماء.

تامل بزوال التميز بين الاسياد والعبيد، الرؤساء والمرءوسين فهوذا الملك قد حضر إلى وسط شعبه، يعدٌّ لخدمة عبادية لله، وكأنه يعد جحفلاً عسكرياً.

يقول السفر ” وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد” ( يونان 3: 6 ) يا لحكمة الملك، فقد أعلن التوبة التوبة اولاً لكي يجعل من مدينته بحالةٍ أفضل، لانه من ذا الذي يرى الملك يجاهد في طريق الخلاص امامه ولا يتبعه؟

الجراحات تشفى من خلال المسوح، والخطايا تمحى بالتذلل على الرماد، والكبرياء يعالج بالتواضع، والصيام يعالج خطايا التنعم والترفــُّه.

لقد أوصى الملك المرضى بالصيام، وكأنه هو الطبيب، واتبع الذي كان يقضي حياته بالترف، بالصيام ويتبع التعاليم الرسولية، آمراً الحيوانات باتباع البشر في هذا الصيام. يقول الكتاب ” وليتغط بمسوح الناس والبهائم” (يونان 3: 8 )، فيا للترتيب السماوي، وياله من طابور مرعب لعرش الشيطان عندما يرى كامل جيشه الذي تبعه سابقاً يتحول حول جهة الله، لا بل يحارب الشيطان.

في هذه المعركة الروحية الاولاد والنساء والرضع يحاربون إلى جنب الرجال، حتى البهائم تشترك في المعركة من خلال صومها من أجل خلاص نفوس مقتنيها ” الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا، لا ترع ولا تشرب ماء.” ( يونان 3: 7 ). الملك تخلى عن شارات ملوكيته واخذ دور الكهنة بالكرازة والتأديب لاهل نينوى.

يا اهل نينوى، لقد ربحنا في الماضي حروباً كثيرة، فلنساهم الان وبشجاعة أكبر على خلاص نفوسنا، لقد نجحنا سابقاً في أن نكون رؤساء على الاخرين، وعملنا الان يقتضي الا نبيد مع نساءنا وأولادنا في لحظة.

لنرمي السماء بالتسابيح، ونقذفها بالتراتيل بدلا من الرماح، لنطلق مقلاع صلاتنا نحو الله لكي نطفئ غضبه من خلال حرارة دموعنا، لندمر ايضاً أعمالنا الشريرة ولنحارب بالأسلحة الحسنة التي هي، درع البر الذي لا يخترقها سهم، وترس الايمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة، وخوذة الايمان. الدينونة من جهة لنينوى تتلاشى كالدخان امام توبة حقيقية.

فان حاربنا بمثل هذه الاسلحة فاننا نغزو السماء كما غزونا الارض.

تشجعوا يا أهل نينوى، فمن يقاتلنا هو ملك محب للبشر، يطرح اعدائه وهو غير مكترث لتضرعاتهم، ولكنه متى أغاض النظر عن غضبه يصبح الهاً محسناً لاعدائه.

بهذه الاقوال شجع الملك شعبه على التوبة.

كريستولوجيا كنيسة المشرق الاشورية في الوعي اللاهوتي الغربي

كريستولوجيا كنيسة المشرق الاشورية في الوعي اللاهوتي الغربي

القس شموئيل القس شمعون

راقبت كنيسة المشرق في بلاد ما بين النهرين الصراعات والبدع التي كانت تظهر في الغرب بحذر، وتعاملت معها على اساس كتابي ولاهوتي مستمد من الكتب المقدسة التي بين يديها وتعاليم الرسل الذين بشروها، للمحافظة الكاملة على رسالة الانجيل التي اؤتمنت عليها.

التوجس من وصول وظهور هذه الهرطقات والبدع في الشرق، اضافة الى عوامل سياسية فرضتها طبيعة الصراع الفارسي البيزنطي في المنطقة، ادى بكنيسة المشرق الى التأخر في قبول مقررات مجامع عقدت خارج حدودها، بين مجامعها، ومنها على سبيل المثال، مجمع نيقية المنعقد عام 325م والذي قبل في بلاد ما بين النهرين بعد 85 عاماً.

وساهمت عزلة الكنيسة الى تنسيب اخطاء لاهوتية الى ايمانها واتهامها بما لم ترتكب، ومنها وعلى سبيل المثال، الادعاء بان الكنيسة تؤمن بشخصين في يسوع المسيح، بسبب قصر في ايجاد ترجمة مرادفة لكلمة اقنوما الى اللغات الاخرى، وبسبب إبقاءها على استخدام لقب والدة المسيح على القديسة مريم العذراء. الاتهامات هذه نسبت الى الكنيسة من الذين حاربوا مار نسطورس في الماضي، فربطت الكنيسة ظلماً بمجمع أفسس عام 431م، رغم كون القديس مار نسطورس لم يكن بطريركاً عليها.

ومنذ ذلك الحين والكنيسة تحاول وتدعو الى ازالة الالتباس حول المصطلحات المستخدمة في ميراثها اللاهوتي وتراثها الديني، بناء على اساسيات ايجاد ترابط بين المصطلحات اليونانية والسريانية، حيث آمنت كنيسة المشرق بان الحوار أفضل طريق للفهم المشترك لازالة المفاهيم الخاطئة التي ترسبت ظلماً عليها، وهي تدعو الكنائس الاخرى الى دراسة ميراثها اللاهوتي لازالة سوء فهم كريستولوجيتها، للوصول الى منظور جديد وعلاقات جديدة مع هذه الكنيسة.

تطور الفكر اللاهوتي المسيحي المسكوني خلال القرنين الأخيرين، ألقى بظلاله على مجمل العلاقات المسكونية بين الكنائس التي صارت تبحث عن صيغة تعبر عن ايمانها الرسولي المشترك، بغض النظر عن الاختلافات اللاهوتية بينها، فهناك فرق بين الايمان واللاهوت، فالاول ثابت صادر من الله ولا يمكن تغيره، والثاني متغير كونه من نتاج البشر، كما يقول البابا يوحنا الثالث والعشرون في افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني.

ابتعادنا عن زمن الخلافات التي نشأت بسبب التنوعات الثقافية والسياسية، يشكل حافزاً لاعادة مهمة البحث اللاهوتي، لتسترد كل كنيسة رسولية مكانتها الصحيحة، فهناك توافقات هائلة بين ايمان الكنائس، علينا ان نركز عليها بالحب المثمر لغاية اكتشافها وتأصيلها مسكونياً، لتطغي على خلافات القرون الماضية التي باعدت بين كنائس جسد المسيح الواحد. إن ما يفصل هذه الكنائس بعضها عن بعض هو ليس امر الحرومات والانشقاقات بقدر ما هو سوء فهم للألفاظ المستخدمة لشرح ايمان كل كنيسة، وهذا الابتعاد عن الانشقاق وان كان، خمسة، عشرة او خمسة عشر قرناً، لا يدعونا الى اعادة توزيع الحرومات من جديد بقدر ما يعني اتخاذ خطوات مسلم بها لتسهيل التقارب المسكوني، كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية من خلال اعادة تقييمها للاتهامات الموجهة لكنيسة المشرق الاشورية، من خلال اصدار اعلان مسيحاني مشترك عام 1994، والذي جاء بعد 1564 عاماً من انعقاد مجمع أفسس. ودحض هذا الاعلان الهرطقات الموجهة لكنيسة المشرق، وعملت الكنيستان من خلال ايجاد قاعدة كريستولوجية مشتركة بينهما، ودراسة معمقة لطروحات كل منهما، حتى تبين ان لا غبار على لاهوت هذه الكنيسة أو تلك وان جميعها اجتهادات تصب في مصب واحد هو يسوع المسيح، حتى من دون ان تغير كنيسة المشرق الاشورية اي من معتقداتها اللاهوتية، وهذا الامر يعتبر نقطة تحول كبيرة في الحركة المسكونية.

دخول كنيسة المشرق الاشورية الى الوعي اللاهوتي الغربي بعد هذه القرون الطويلة، وبروز هذا الاحترام المتبادل مع الكنيسة الكاثوليكية، شجع الكثير من اللاهوتيين الى اعادة دراسة مسيحانية مجمع افسس عام 431م، ودراسة لاهوت كنيسة المشرق، لهدم جدران الاحداث الفاصلة والتي تعاظمت سلباً في التاريخ الكنسي على مدى خمسة عشر قرناً الماضية، وشجع كنيسة المشرق الى عقد المزيد من الحوارات مع الكنائس الاخرى وان كانت غير مثمرة احياناً، الا ان الكنيسة مصممة على تلبية الارادة الالهية التي تصبو نحو القفزة الكبيرة باتجاه الوحدة، لتخطو كنيسة المسيح الى مشارف بيتها الواحد الذي اسسه المسيح على الارض.

ولان الوحدة تقبل بالتنوع، فان كنائس المسيح باتت تؤمن بان لا وحدة الا بالتعدد، وان جميع الالوان معا تشكل اللون الابيض، ولذلك فبدون هذا التعدد ليس هناك وحدة، وها هو كيان كنيسة المشرق الاشورية التاريخي يلتئم من جديد مع ايمان الكنائس الاخرى من خلال ايجاد قاعدة لترابطات لاهوتية، فاليوم تنظر كنيسة المشرق الاشورية الى كريستولوجيات الكنائس الاخرى باحترام وتعتبره ثراءا روحيا، وتطلب في الوقت ذاته ان يُنظر الى كريستولوجيتها بالصيغة ذاتها، بالفحص والتمحيص النابع من روح المحبة، فايمان الكنائس الاخرى هو مكمل للاهوتها، فلا فرق بين النظرة التنازلية للاهوت السيد المسيح نحو الانسان، والذي تتبناها الكنيسة، وبين النظرة التصاعدية لهذا اللاهوت والذي ينتهي بيسوع المسيح الاله، كما تتبناه الكنائس الارثذوكسية.

وادرج ادناه ما قاله قداسة البابا بولس يوحنا الثاني لقداسة مار دنخا الرابع، اثناء التوقيع على البيان الكريستولوجي المشترك عام 1994، حيث قال: ” لقد أدركنا جميعاً انه من الاهمية بمكان فهم، وتبجيل، وحفظ، ورعاية الارث الغني لكنيستينا، وان الاختلاف في العادات والطقوس يجب ان لا يكون في اية حال عائقا في طريق الوحدة. ويشمل الاختلاف قوة كنائسنا لادارة نفسها حسب نظامها والحفاظ على قدر من اسلوب التعبير اللاهوتي والذي كما أكدنا عادة يكون مكملا اكثر منه تضارباً”[1]

[1] ديتمار فينكلار، الحوارات المسكونية لكنيسة المشرق الاشورية بين التقدم والتعثر، برو اورينتي، الحوار السرياني، المداولة الرابعة، غير رسمية، فيينا 2001.

وبرب واحد يسوع المسيح

وبرب واحد يسوع المسيح

سناء ايليهو كوركيس

إن صيغة قانون الايمان النيقاوي الذي أجمع عليه الآباء الـ 318 سنة 325م في مدينة نيقيه التي في بيتونيا حيث عُقد فيها مجمع في عهد قسطنطينوس ملك الملوك. وهذا القانون تم اقراره سنة 381م في المجمع المسكوني الذي حضره 150 من الآباء في مدينة بيزنطيه.

اتفق آباء الكنيسة في صيغة هذا القانون بخصوص يسوع المسيح، بقولهم نؤمن برب واحد يسوع المسيح، حيث اعترف الآباء بوضوح بالأقانيم الثلاثة المقدسة لأنهم كرزوا بألوهية كاملة في المسيح ربنا.

فبتساوي الطبيعة والوجود، وتساوي السيادة والوحدة والالوهية التي في الله تجعلنا نعترف أن المسيح هو الرب الإله القوي الذي له وجود أزلي غير مائت. وهكذا شهد سمعان بطرس “فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحا” ( أع 2: 36 )، كذلك فعل مار توما الرسول الذي سبق وأن أعترف بألوهية يسوع المسيح، حينما كان حاضرا مع التلاميذ الآخرين ووبشروه برؤية يسوع قال لهم: ” إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، واضع إصبعي في أثر المسامير واضع يدي على جنبه لا أومن”. ولكن عندما رآه ولمسه عندها اعترف قائلاً: “ربي وإلهي” ( يو 20: 25-28 )، اي انه اعترف بيسوع الناسوت، وفي الوقت ذاته بألوهيته النابعة من ذات الله الآب.

لم يضف الآباء قائلين: “برب واحد الابن”، كما في:” إله واحد الآب”، لكن أكدوا على القول :” برب واحد يسوع المسيح”. وهو كما يعرف الجميع إنها إشارة للناسوت الذي أتخذه الله الكلمة، وهو ما قاله بولس الرسول: ” فلأنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” ( كو 2: 9 ).

ان الرسل والإنجيليين يعلّموننا أن نؤمن بأننا عندما نقول المسيح نعني بذلك طبيعتين، أي خصوصية الوهيته التي من الآب ( يو 9: 11 ) وخصوصية ناسوته التي من الأم المنحدرة من ذرية داود وإبراهيم ( مت 1: 1 ؛ لو 1: 32 ؛ عب 2: 16 ).

لهذا علمنا آباؤنا الأولون، أفرام الكبير، وباباي صديق الملائكة، الاعتراف مثلهم ونقول: لا الوهيته من طبيعة الأم، ولا ناسوته من طبيعة الآب. الطبيعتان محفوظتان في أقنوميهما بشخص البنوة الواحدة.

بهذا أصبحت مثبتة ثنائية الأقانيم التي في المسيح، أقنوم الطبيعة وخصوصية الالوهة، وأقنوم الطبيعة وخصوصية الناسوت في شخص واحد يسوع المسيح.

هكذا علم آباء الكنيسة الرسولية الجامعة المشرقية، الاعتراف بالابن المسيح حيث يقولون: نسجد يارب لالوهيتك ولناسوتك بدون انقسام، لأن القوة هي واحدة والسيادة واحدة والإرادة واحدة والمجد واحد، إلى أبد الأبدين، آمين.

وبهذا وضع الآباء تعليما نقيا خالصا يختلف اختلافا حقيقيا عن تعليم السيمونيين وأتباع مناندروس وتفسيرهم الخاطئ الذي يقول أن الله الكلمة لم يأخذ الناسوت من مريم، وأيضاً يُفقِدون المسيح ربنا إنسانيته، وكأن الله بالفنطازية (الخيال) أظهر نفسه لنا كإنسان، لم يكن له قط إنسانية طبيعية من مريم، لذا فقد حرمتهم الكنيسة هم وبنو تعليمهم.

لكن نحن أصبحنا متأكدين وواثقين من إيماننا، حيث أن الله الكلمة، أو كلمة الآب، أخذ ناسوتا كاملا كما قال:” قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان” ( يو 12: 23 )، ابن الإنسان يدعو ناسوته الحق والكامل الذي من بيت داود وإبراهيم ( لو 1: 32 ) بالدم واللحم والفكر والنفس والإرادة ( يو 5: 30 و 6: 38 ؛ مر 14: 36 ) لكن بدون دنس الخطيئة.

ويشهد الرسول بولس أن الإنسان يسوع المسيح، هو إناء الروح (1 تي 2: 5).

اسئلة واجوبة في تفسير القداس الالهي الجزء الثاني

اسئلة واجوبة في تفسير القداس الالهي

الجزء الثاني

الاركذياقون قرداغ حنا حكيم

تفسير القداس الالهي الذي وضعه الراهب يوحنا بر زوعبي ( القرن 12-13).

(15) لماذا يُقرأ كتاب التوراة ( العهد القديم) في القداس ؟

الجواب: يتم قراءة التوراة في القداس لأنه يشهد للرب يسوع على ما حصل عند قيامه في الهيكل وقراءته لإصحاح أشعيا النبي في سفر التوراة، الذي يكشف تجلي الرب بأنبيائه، وبعد قراءة السفر قال لهم ” اليوم تمت هذه الكلمات التي تلوتها على مسامعكم”( لو 4: 17 – 19). وكذلك كان كتاب التوراة يبرهن على الاعمال والمعجزات التي كان يجترحها.

(16) لماذا يتم قراءة الرسالة وبعض القراءات الاخرى من الكتاب المقدس؟

الجواب: هذه القراءات تعلمنا بأن التلاميذ كانوا يحيطون بالرب يسوع قبل تألمه وموته ويسمعون تعاليمه لكي ينقلوها الى القطيع الضائع. ويتجسد هذا اذ قال لهم “إذهبوا وبشروا بأقتراب ملكوت السماء” (مت 10: 5-15).

(17) لماذا يجلس الكهنة أثناء القراءات؟

الجواب: يرمز جلوس الكهنة الى جلوس الرسل ألاثني عشر، على ألاثني عشر كرسياً في الملكوت، كما قال المسيح ” متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون انتم ايضا على اثني عشر كرسياً” مت 19: 28

(18) الى ماذا ترمز البدايات ( شورايي) قبل الرسالة؟

الجواب: ترمز الى الخفايا الطيبة لدى الشعب عندما يُسـَبِّح، حيث يقبل بها غفران الخطايا وبالعماذ يجازي بالنعم عوض هذه التسابيح.

(19) لماذا تقرأ الرسالة؟

الجواب: قراءة الرسالة ترمز الى كلام يوحنا المعمذان الذي جاء قبل المسيح ومَهَـدَّ الطريق أمامه.

(20) لماذا تقرأ الرسالة قبل الانجيل في القداس؟

الجواب: لانها تمثل شهادة يوحنا التي أطلقها من خلال الكهنة واللاويين لاولئك الذين أرسلوا اليه من اورشليم ليسألوه من هو.

(21) لماذا تقرأ الرسالة من قبل الشماس وليس من قبل الكاهن؟

الجواب: لنتعلم بأن الخدمة ( الطقس) التي قام بها يوحنا المعمذان كانت لتمهيد الطريق أمام المسيح.

(22) الى ماذا يرمز المزمور ( الزومارا) قبل الانجيل؟

الجواب: يرمز الى التسابيح التي سبح بها الجموع مع الاطفال الصغار الذين أستقبلوا دخول الرب الى أورشليم بتسابيحهم “اوشعنا لابن داود” ومع بقية الجموع الهاتفة ” تبارك الملك الاتي باسم الرب.” (لو19: 38).

(23) الى ماذا يرمز الرداء الذي يُوشح به الانجيل المقدس؟

الجواب: يرمز الى السر الذي يتشح به كل معمذ بأسمه (بأسم الرب يسوع المسيح).

(24) لماذا يخرج الصليب مع الانجيل؟

الجواب: لنتعلم بأن ناسوت الرب يسوع يحتوي على النفس والجسد، فالصليب هو رمز جسد المصلوب على الصليب، والانجيل رمز النفس الذي تحتويه الكلمة.

(25) لماذا يحمل الصليب والانجيل معاً اثناء التطواف ( زوياخا)؟

الجواب: لانهما يرمزان الى سر دخول الرب الى أورشليم وهو راكب على الأتان.

(26) لماذا يقرأ الكاهن الانجيل في الهيكل.

الجواب: لكونه يرمز الى دخول الرب يسوع الى الهيكل كما انه يشير الى استياء الكهنة والفريسيين لقيام الجموع بتعظيم المسيح من خلال التسابيح التي كانوا يرتلونها حيث طالبوه بتعنيف تلاميذه على تمجيده كإله، قائلين له، لانريد ان نسمع مثل هذا، فقال لهم بفمه المحي ” مكتوب ان بيتي بيت الصلاة، وانتم جعلتموه مغارة لصوص” (لو 19: 46 ).

(27) الى ماذا ترمز قراءة الانجيل؟

الجواب: ترمز قراءة الانجيل الى بنيان الحكمة التي زرعها الرب يسوع في قلب الانسانية لاقامة الرجاء الصالح لبني البشر.

(28) الى ماذا يرمز الصليب الموضوع فوق الخشبة في الهيكل المقدس؟

يرمز الى قول الرب قبل مماته عندما قال ” وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي ان يُرفع ابن الانسان. لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الابدية ” ( يو 3: 14-16).

(29) الى ماذا ترمز الترتيلة قبل الانجيل ( عونيتا دايونكاليون).

الجواب: ترمز الى استعداد أبناء الكنيسة قبل قراءة الانجيل.

(30) الى ماذا ترمز الترتيلة بعد الانجيل؟

الجواب: ترمز الى حفظ جميع القوانين من صعود الرب الى تقديس الكنيسة ( قودش عيتا) وايضاً ترمز الى حفظ أسرار هذا العالم، وترمز نهاية الترتيلة الى العالم القادم حيث يكتمل الكيان ولن نبق بحاجة الى القوانين أو الناموس.

(31) الى ماذا ترمز الشموع في تلك اللحظة؟

الجواب: ترمز الشموع الى قول الرب للاثني عشر تلميذاً ” انتم نور العالم” وهكذا تفرض المراسيم وضع شموع عديدة وليس شمعة واحدة لكون الشموع ترمز الى حمل تعاليم المسيح الى الجميع.

(32) لماذا تقرأ التراجم ( توركاما)؟

ترمز التراجم الى التعليم الذي علمه الرب للرسل قبل آلامه وبه عرفهم بموته وقيامته من بين الاموات.

تذكار القديسة مريم العذراء

تذكار القديسة مريم العذراء

غبطة المطران مار كيوركيس صليوا

 تحتفل الكنيسة في هذا اليوم الخامس عشر من آب في كل سنة باقامة القداس لمناسبة تذكار مريم العذراء، أم مخلصنا يسوع المسيح. حيث لهذه المناسبة ميزة خاصة في قلوب وايمان المؤمنين من ابناء الكنيسة، تقديراً لهذه العذراء التي بها تحقق ما قاله الرب بلسان النبي القائل: ” ها ان العذراء تحبل، وتلد ابناً، ويدعى عمانوئيل ” أي “الله معنا”.

ارسل الله الملاك جبرائيل إلى بلدة الناصرة في الجليل…. فدخل الملاك إلى مريم وقال لها: ” السلام عليك، يا من أنعم الله عليها. الرب معك”.

فأضطربت مريم لكلام الملاك وقالت في نفسها: ” ما معنى هذه التحية ؟”

فقال لها الملاك: ” لا تخافي يا مريم، نلت حظوةً عند الله: فستحبلينَ وتلدينَ أبناً تُسَميَهُ يسوع. فيكون عظيماً وأبن الله العَلي يُدعى …. “

فقالت مريم للملاك: ” كيف يكون هذا وانا عذراء لا اعرف رجلاً ؟”

فأجابها الملاك: ” الروح القدس يحل عليكِ، وقدرة العلي تظللكِ، لذلك فالقدوس الذي يولدُ منك يُدعى أبن الله. ها قريبتك اليصابات حُبلى بأبن في شيخوختها، وهذا هو شهرها السادس، وهي التي دعاها الناس عاقراً. فما من شئٍ غير ممكن عند الله”.  فقالت مريم :

 ” أنا خادمة الرب: فليكن كما تقول”. ومضى من عندها الملاك. وفي حينه حَبلت من الروح القدس وولدت يسوع المخلص.

هذا هو خلاصة لما وَرَدَ في انجيل لوقا لهذا اليوم. وبهذا الخصوص، أي “أبن الله” سأل الخليفة المهدي الجثاليق مار طيماثأوس، بطريرك كنيستنا، في القرن الثامن بعد المسيح، سأله وقال: كيف تعتقد أن المسيح هو ابن الله؟ اجاب البطريرك : نأتي بتشبيه مأخوذ من الطبيعة. فكما تتلد الأشعة من الشمس، والكلمة من النفس، هكذا المسيح، بما أنه كلمة الله، وُلِدَ من الأب قبل الدهور.

اننا نقول ونعتقد بأن المسيح مولود من الأب بما انه كلمته، ومولود من مريم العذراء بما انه انسان. وولادته من الأب هي آزلية قبل كل الدهور، وولادته من مريم هي زمنية، دون أب ومن غير زواج، وبدون انثلام بتولية أُمَهُ.

فكما تولد الاثمار من الاشجار، والنظر من العين، والروائح من الزهور، دون انشقاق وانفصال بعضها من البعض. وكذا تتلد الاشعة من الشمس. ان الله سبحانه قادر على كل شئ، وليس عنده أمرٌ عسير.

(هذا كان جزء من الحوار الذي جرى بين الخليفة والبطريرك)

أن المؤمنينَ يشعرون براحة روحية ونفسية عند حضورهم الكنيسة، ولأن بيت الله هو الملجأ الروحاني لهم في هذه الظروف الصعبة، وما يأتي في الانجيل هو المرشد الانساني والثقافي والحضاري لهم. لذلك وكما نرى اليوم وبالرغم من حرارة شهر آب، وبالرغم من صعوبة الوصول الى الكنيسة للكثيرين منهم في الوقت المعين بسبب كثرة نقاط السيطرة في المدينة، بالرغم من كل ذلك، فأن الحضور نعتبره كبيراً جداً مقارنةً بالظروف الصعبة التي تواجههم. ولكنه قليلٌ جداً لو قارناه بما كان قبل الغزو الامريكي للبلد في 2003.

فمنذ ذلك الحين بدأ العدد يقل في كل سنة عن ما كان قبلها لأسباب نعرفها جميعاً. ففي وقتها كانت هذه الكنيسة ” كنيسة مريم العذراء” في هذه المناسبة تمتلئ عدة مرات. والتناول كان يستغرق عدة ساعات. والان قلت تلك الاعداد، وقد لا تمتلئ الكنيسة اكثر من مرتين. وهكذا هو الحال مع بقية الخورنات والكنائس وفي مختلف المناسبات الكنسية.

وسبب كل ذلك هو: لجوء العوائل الى مناطق اخرى أكثر أمناً واستقراراً، أو الهجرة المضطرة الى بلدان اخرى انقاذاً لأنفسهم ولأبنائهم ولأجيالهم وذلك هرباً من مستقبل غامض بسبب الحوادث المخيفة والمستمرة من القتل والاختطاف وتفجيرات بيوت الله، وبسبب عدم الاستقرار في الوضع السياسي والأمني والاقتصادي والحياتي في البلد. ( ونحن في طريقنا الى الكنيسة سمعنا بخبر تفجير كنيسة في كركوك هذا الصباح ).

ومع هذا كله، وبدون الاطالة في الموضوع المعروف للجميع … مع كل ذلك، لا زلنا نعيش في الأمل النابع من ايماننا وحبنا للوطن، بأننا سنصل الى نهاية هذا النفق المظلم المخيف. ونحن نزرع هذا الأمل في قلوب المواطنين الابرياء. وفي كل قداس نبتهل الى الله لكي يَمطِر بركاته على أرض العراق، مهد حضارتنا الأنسانية الأولى، ومهد وجودنا القومي، ومهد مسيحيتنا التي اشرقت بنورها السماوي علينا في منتصف القرن الأول الميلادي، على يد رسل المسيح، ومنها انتشرت وتوسعت الى الدول المجاورة وصولاً الى بلدان بعيدة كالهند والصين.

اننا في كل صلاة وقداس نبتهل الى الله لكي يُهدي رجالات السلطة والمسؤولين السياسيين كل المقدرة والحكمة والصبر والتواضع، ووضع جانباً كل الخلافات والصراعات السياسية والمذهبية، والقضاء على الفساد الاداري والمالي في البلد الذي هو ملك الشعب، والعمل بكل ما هو خير لهذا الشعب الآبي، الذي عان الكثير الكثير، ولا يزال يعاني معاناة لم يكن يتوقعها أن تحدث له في بلد قد اغناه الرب بكل خيراته وبركاته.

هذا الأمل هو الذي يجعلنا أن نواجه هكذا ظروف صعبة ونقول: سيأتي ذلك اليوم الذي فيه ستحقق اماني الشعب العراقي ويمارس فيه أبناء كل مكوناته حقوقهم  الانسانية والوطنية، والتفرغ بكل طاقاتهم وامكانياتهم في بناء ونهضة عراقنا العزيز.

اننا نتطلع الى اليوم الذي فيه سنسمع فيه اصوات المآذن والنواقيس من تلك دور العبادة التي فُجرت، ونرى أرض العراق المباركة خضراء يانعة ومعطاة.

اننا نتطلع الى اليوم الذي فيه سيقوم الطفل العراقي برسم صورة حمامة أو زهرة أو قوس قزح بدلاً من صورة صاروخ أو دبابة.

اننا نتطلع الى اليوم الذي فيه ستقوم الأُم العراقية المسلمة بأخذ اطفالها الى منتزه المنطقة في جوٍ ملئ بالهدوء والامان وتجلس بجانب جارتها الأُم المسيحية وتتبدلان الحديث عن مستقبل اطفالهما.

اينما يوجد الايمان توجد المحبة، واينما توجد المحبة يوجد السلام، واينما يوجد السلام يوجد الله، واينما يوجد الله … يتحقق ما يحتاجه الانسان.

اسيرو، العطاء والمحبة تتجسد

اسيرو، العطاء والمحبة تتجسد

 

ACERO – Assyrian Church of the East Relief Organization

من كان له ثوبان فليعط من لا ثوب له، ومن عنده طعام فليشارك فيه الاخرين” “لو10:3

انتمائنا الى دائرة المسيح المتآخية تحتم علينا العطاء المتبادل بين أعضاء جسد المسيح الواحد.

منظمة ” اسيرو” ACERO هي طريق كنيسة المشرق الآشورية الى العوائل المتعففة الذين عانوا من أهوال الحروب وظروف الإرهاب في القتل والتهجير، التي تركت لنا إخوة في أمس الحاجة الى المساعدة.

اسيرو، هي طريقنا إلى كل فقير ومحتاج، وان شبع، نبعد عنه الألم، وإذا شفي، نسنده في طريق الحياة، ليكون لأبناء الكنيسة مستقبلا زاهرا، يليق بتميزنا الحضاري والديني.

واجبنا المسيحي يقتضي تخلينا على بعض من رفاهيتنا وأثمان ما ننفقه في الغربة بدون أي فائدة لنسد بها رمق فقير ومحتاج، فتخفف عن الم مريض، ونسند شاباً او شابة تقف الأسباب المادية حاجزاً لإتمام دراستهما.

اسيرو، شمعة على طريق محاربة الألم والفقر ويد بيضاء تمتد لكل محتاج بعيداً عن بهرجة الإعلام.

هل الكنيسة هي نحن جميعاً ؟

هل الكنيسة هي نحن جميعاً ؟

الخوري حنا عيسى

للكنيسة تعاريف عديدة ومختلفة. فهي تعرف، أحياًناً، بالمكان الذي يجتمع فيه المؤمنون للصلاة في حين يعرفها آخرون، أحياناً، بجماعة المؤمنين. وأخيراً يعرفها البعض بالرؤساء ومن دون ما يسمى بالعلمانيين. فكان هذا التعريف الأخير سبباً في تهميش أو إقصاء شريحة واسعة من المؤمنين من حياة الكنيسة ورسالتها، مما حدا بالبعض إلى إطلاق عبارة شهيرة، هذه العبارة التي أود أن أتناولها في هذا المقال.

  1. الكنيسة هي نحن جميعاً.

ثمة عبارة شهيرة للغاية ألا وهي:”الكنيسة هي نحن جميعاً. والمقصود بهذه العبارة “نحن جميعاً” الصغار، الكبار، الرجال، النساء، الشباب والشابات. فكل هؤلاء المؤمنون ولاسيما المعمدون يؤلفون الكنيسة أو بتعبير آخر الكنيسة هي الرؤساء والشعب، هي القمة والقاعدة معاً.

بهذا الإيمان ولاسيما بهذا العماد المسيحي يمسي كل هؤلاء أعضاء أحياء، حقيقيون وكاملون في الكنيسة جسد المسيح، لهم مكانتهم ودورهم ورسالتهم. وما رسالة هؤلاء جميعاً، قمة وقاعدة، كل حسب موقعه، إلا رسالة واحدة ألا وهي رسالة حمل وإعطاء المسيح وإنجيله إلى العالم اليوم. تلك هي ميزة المسيحي الذي هو وحده القادر على إعطاء المسيح للآخرين.

ولكن، لكيما نفهم الواقع الحقيقي وراء إطلاق مثل هذه العبارة فلا بد أن نعيدها إلى إطارها أو سياقها التاريخي. فلقد قيلت هذه العبارة في وقت كان يتم تهميش أو إلغاء أو إقصاء أو اغتراب شريحة واسعة، عريضة وأساسية من المؤمنين ألا وهم العلمانيون. فجاءت هذه العبارة لتؤكد على حق هؤلاء جميعاً في إشراكهم في حياة الكنيسة ورسالتهم، إذ لا يمكن تصور كنيسة من دون كل المؤمنين، طالما أنهم جميعاً أعضاء فيها.

وستبقى هذه العبارة صحيحة، طالما يتم تهميش أو إقصاء أحد أو بعض المؤمنين من حياة الكنيسة ورسالتها. ولكن ستنتفي الحاجة إليها إذا ما تم إشراك جميع المؤمنين في هذه الحياة كما في هذه الرسالة.

  1. نشأة الكنيسة.

بيد أن الكنيسة لم ولا تنشأ بفعل إرادة البعض ذلك إنها ليست تنظيماً اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً وإنما الكنيسة هي تجمع أو جماعة المؤمنين، هذه الجماعة التي ولدت بفعل الإيمان بقيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات. فلولا القيامة، هذا الحدث الرئيس والحاسم في حياة يسوع المسيح، لما كانت الكنيسة ذلك أنها ولدت من رحم القيامة وبالتالي فهي بنت القيامة,

من هنا نفهم فرادة وخصوصية الإيمان المسيحي ذلك أن المسيحيين لا يؤمنون بوجود إله واحد حقيقي حسب بل بقيامة الرب يسوع المسيح ببعديه التاريخي والإيماني.

  1. الكنيسة مؤسسة.

أما من قاد، في البداية، هذا التجمع الإيماني فهم، ولاشك، الرسل أوائل المؤمنين بقيامة الرب يسوع. ومن ثم ظهر أنبياء في كنيسة القديس متى كانت تقوم مهمتهم على نقل كلمة الله وترئس الافخارستيا. ففي شأن الأنبياء يعطي كتاب الديداكي القريب من هذه الكنيسة مواصفات للتمييز بين النبي الحقيقي والنبي الكاذب. أما بالنسبة إلى الافخارستيا فهو يكتب قائلاً: “ليشكر الأنبياء ما طاب لهم الشكر” كما ظهر الشيوخ وأخيراً الشمامسة والأساقفة الذين يشير إليهم كتاب تعليم الرسل الأثني عشر إذ يكتب قائلاً: “وهكذا انتخبوا لكم أساقفة وشمامسة، رجالاً مختبرين جديرين بالرب ودعاء، سالكين في نزاهة واستقامة لأنهم يؤدون لكم خدمة الأنبياء والمعلمين”.

بيد أن التطور التدريجي والمراحل التاريخية التي مرت بها الكنيسة فرضت على هذا التجمع أو هذه الجماعة أن يتخذ شكل مؤسسة فسميت بالمؤسسة الكنسية شأن كل المؤسسات الأخرى، هذه المؤسسة التي لها قادة وقوانين وأنظمة خاصة بها تزداد بمرور الزمن.

وفيما تعاقب وما يزال يتعاقب المؤمنون في هذه الجماعة، فإن هذه المؤسسة ستبقى قائمة، دائمة، ثابتة وضرورية، على الرغم من ثقلها وصعوبة تقبلها الجديد والتجديد في حياتها.

وإنه لمن الضرورة بمكان احترام هذه المؤسسة وكذلك احترام استقلاليتها لتؤدي مهمتها أو رسالتها التي من أجلها قامت هذه الجماعة- المؤسسة.

عظمة سر التقوى

عظمة سر التقوى

الشماس نجيب ننو

“عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد” ( ا تي 3: 16 )

 

تتميز المسيحية عن باقي الاديان بعقيدة تجسد الله في الانسان وهذه العقيدة الجوهرية والخلاصية، تسمو على مجرد كونها صلة او حضور لله مع الانسان، بسبب كون التجسد مرتبط بالتدبير الالهي الذي بلغ كماله، في الفداء على الصليب، ومن ثم بالقيامة من الاموات وبلوغ حياة جديدة في الملكوت الأبدي.

 

ان اعظم ثمار سر التجسد هذا تكمن في نوالنا سلطاناً ان نكون ” اولاد الله” ( يو 1: 12 ) وهذا الامتياز الارضي الحالي، اعطي لنا تمييزاً عن “اولاد العالم” في سلوكنا وايماننا وطريقة حياتنا او نهايتنا على الأرض، فمع تأسيس المسيح للكنيسة في يوم الخمسين ” العنصرة” ، كٌشـِفَ مخلصنا علناً “السر المكتوم منذ الدهور في الله” (اف3: 9 )، لتصبح الكنيسة بناءا شامخاً للملكوت تمتد من الأرض الى أعماق السماء.

الرسول بولس يسمي هذا التجسد، سراً، لاننا لا نستطيع ان ندرك مكنونات هذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت، من جهة، وكون الله قبل التجسد كان غير منظوراً لخليقته ” لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه” (ا تي 6: 16 )، من الجهة الاخرى، فقبل التجسد لم تكن للانسان معرفة بالله الا من خلال اعماله في الخليقة، ومع مجيء يسوع الى الارض، كشف لنا الانجيلي يوحنا في اصحاحه اللاهوتي الاول عندما قال ” الكلمة صار جسداً وحل بيننا و رأينا مجده مجدا” (يو1: 14)، ان الطبيعة الالهية قد صارت منظورة للبشر من خلال يسوع المسيح. وهذا ما نادى به اشعيا النبي اشعيا قبل سبعة قرون من المسيح عندما كشف لنا ان ” اسمه عمانوئيل” ( إش14:7) “ والذي تفسيره ان الله معنا” ( متى23:1)، ونصوص العهد الجديد مليئة بهذه الشهادة “الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رايناه بعيوننا الذي شاهدناه و لمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة” ( 1 يو 1:1 ).

تجسدت الكلمة وصارت جسداً ليقودنا يسوع عبر جثسيماني وعن طريق الباب الضيق للصليب الى الملكوت السماوي بعد ان تم تحرير الانسان من عبودية الخطيئة.

حسب اعلان العهد القديم ” ان الله لا يراه احد ويعيش” ( خر 33: 20 ) وهذا ما اكده العهد الجديد ايضاً في يوحنا عندما قال ” الله لم يره احد قط” ( يو 1: 18 ) ولكن مع التجسد “راينا مجده مجدا” (يو1: 14 )، فيا للعجب، فقد تجسد اللامنتهي في عالم زمني منتهي. تجسد من لا يحده مكان، في مكان محدود في بيت لحم، فلولا التجسد لما نلنا التصالح مع الله بسبب عصيان الإنسان الاول وتكبده للخطيئة.