كريستولوجيا كنيسة المشرق الاشورية في الوعي اللاهوتي الغربي
كريستولوجيا كنيسة المشرق الاشورية في الوعي اللاهوتي الغربي
القس شموئيل القس شمعون
راقبت كنيسة المشرق في بلاد ما بين النهرين الصراعات والبدع التي كانت تظهر في الغرب بحذر، وتعاملت معها على اساس كتابي ولاهوتي مستمد من الكتب المقدسة التي بين يديها وتعاليم الرسل الذين بشروها، للمحافظة الكاملة على رسالة الانجيل التي اؤتمنت عليها.
التوجس من وصول وظهور هذه الهرطقات والبدع في الشرق، اضافة الى عوامل سياسية فرضتها طبيعة الصراع الفارسي البيزنطي في المنطقة، ادى بكنيسة المشرق الى التأخر في قبول مقررات مجامع عقدت خارج حدودها، بين مجامعها، ومنها على سبيل المثال، مجمع نيقية المنعقد عام 325م والذي قبل في بلاد ما بين النهرين بعد 85 عاماً.
وساهمت عزلة الكنيسة الى تنسيب اخطاء لاهوتية الى ايمانها واتهامها بما لم ترتكب، ومنها وعلى سبيل المثال، الادعاء بان الكنيسة تؤمن بشخصين في يسوع المسيح، بسبب قصر في ايجاد ترجمة مرادفة لكلمة اقنوما الى اللغات الاخرى، وبسبب إبقاءها على استخدام لقب والدة المسيح على القديسة مريم العذراء. الاتهامات هذه نسبت الى الكنيسة من الذين حاربوا مار نسطورس في الماضي، فربطت الكنيسة ظلماً بمجمع أفسس عام 431م، رغم كون القديس مار نسطورس لم يكن بطريركاً عليها.
ومنذ ذلك الحين والكنيسة تحاول وتدعو الى ازالة الالتباس حول المصطلحات المستخدمة في ميراثها اللاهوتي وتراثها الديني، بناء على اساسيات ايجاد ترابط بين المصطلحات اليونانية والسريانية، حيث آمنت كنيسة المشرق بان الحوار أفضل طريق للفهم المشترك لازالة المفاهيم الخاطئة التي ترسبت ظلماً عليها، وهي تدعو الكنائس الاخرى الى دراسة ميراثها اللاهوتي لازالة سوء فهم كريستولوجيتها، للوصول الى منظور جديد وعلاقات جديدة مع هذه الكنيسة.
تطور الفكر اللاهوتي المسيحي المسكوني خلال القرنين الأخيرين، ألقى بظلاله على مجمل العلاقات المسكونية بين الكنائس التي صارت تبحث عن صيغة تعبر عن ايمانها الرسولي المشترك، بغض النظر عن الاختلافات اللاهوتية بينها، فهناك فرق بين الايمان واللاهوت، فالاول ثابت صادر من الله ولا يمكن تغيره، والثاني متغير كونه من نتاج البشر، كما يقول البابا يوحنا الثالث والعشرون في افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني.
ابتعادنا عن زمن الخلافات التي نشأت بسبب التنوعات الثقافية والسياسية، يشكل حافزاً لاعادة مهمة البحث اللاهوتي، لتسترد كل كنيسة رسولية مكانتها الصحيحة، فهناك توافقات هائلة بين ايمان الكنائس، علينا ان نركز عليها بالحب المثمر لغاية اكتشافها وتأصيلها مسكونياً، لتطغي على خلافات القرون الماضية التي باعدت بين كنائس جسد المسيح الواحد. إن ما يفصل هذه الكنائس بعضها عن بعض هو ليس امر الحرومات والانشقاقات بقدر ما هو سوء فهم للألفاظ المستخدمة لشرح ايمان كل كنيسة، وهذا الابتعاد عن الانشقاق وان كان، خمسة، عشرة او خمسة عشر قرناً، لا يدعونا الى اعادة توزيع الحرومات من جديد بقدر ما يعني اتخاذ خطوات مسلم بها لتسهيل التقارب المسكوني، كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية من خلال اعادة تقييمها للاتهامات الموجهة لكنيسة المشرق الاشورية، من خلال اصدار اعلان مسيحاني مشترك عام 1994، والذي جاء بعد 1564 عاماً من انعقاد مجمع أفسس. ودحض هذا الاعلان الهرطقات الموجهة لكنيسة المشرق، وعملت الكنيستان من خلال ايجاد قاعدة كريستولوجية مشتركة بينهما، ودراسة معمقة لطروحات كل منهما، حتى تبين ان لا غبار على لاهوت هذه الكنيسة أو تلك وان جميعها اجتهادات تصب في مصب واحد هو يسوع المسيح، حتى من دون ان تغير كنيسة المشرق الاشورية اي من معتقداتها اللاهوتية، وهذا الامر يعتبر نقطة تحول كبيرة في الحركة المسكونية.
دخول كنيسة المشرق الاشورية الى الوعي اللاهوتي الغربي بعد هذه القرون الطويلة، وبروز هذا الاحترام المتبادل مع الكنيسة الكاثوليكية، شجع الكثير من اللاهوتيين الى اعادة دراسة مسيحانية مجمع افسس عام 431م، ودراسة لاهوت كنيسة المشرق، لهدم جدران الاحداث الفاصلة والتي تعاظمت سلباً في التاريخ الكنسي على مدى خمسة عشر قرناً الماضية، وشجع كنيسة المشرق الى عقد المزيد من الحوارات مع الكنائس الاخرى وان كانت غير مثمرة احياناً، الا ان الكنيسة مصممة على تلبية الارادة الالهية التي تصبو نحو القفزة الكبيرة باتجاه الوحدة، لتخطو كنيسة المسيح الى مشارف بيتها الواحد الذي اسسه المسيح على الارض.
ولان الوحدة تقبل بالتنوع، فان كنائس المسيح باتت تؤمن بان لا وحدة الا بالتعدد، وان جميع الالوان معا تشكل اللون الابيض، ولذلك فبدون هذا التعدد ليس هناك وحدة، وها هو كيان كنيسة المشرق الاشورية التاريخي يلتئم من جديد مع ايمان الكنائس الاخرى من خلال ايجاد قاعدة لترابطات لاهوتية، فاليوم تنظر كنيسة المشرق الاشورية الى كريستولوجيات الكنائس الاخرى باحترام وتعتبره ثراءا روحيا، وتطلب في الوقت ذاته ان يُنظر الى كريستولوجيتها بالصيغة ذاتها، بالفحص والتمحيص النابع من روح المحبة، فايمان الكنائس الاخرى هو مكمل للاهوتها، فلا فرق بين النظرة التنازلية للاهوت السيد المسيح نحو الانسان، والذي تتبناها الكنيسة، وبين النظرة التصاعدية لهذا اللاهوت والذي ينتهي بيسوع المسيح الاله، كما تتبناه الكنائس الارثذوكسية.
وادرج ادناه ما قاله قداسة البابا بولس يوحنا الثاني لقداسة مار دنخا الرابع، اثناء التوقيع على البيان الكريستولوجي المشترك عام 1994، حيث قال: ” لقد أدركنا جميعاً انه من الاهمية بمكان فهم، وتبجيل، وحفظ، ورعاية الارث الغني لكنيستينا، وان الاختلاف في العادات والطقوس يجب ان لا يكون في اية حال عائقا في طريق الوحدة. ويشمل الاختلاف قوة كنائسنا لادارة نفسها حسب نظامها والحفاظ على قدر من اسلوب التعبير اللاهوتي والذي كما أكدنا عادة يكون مكملا اكثر منه تضارباً”[1]
[1] ديتمار فينكلار، الحوارات المسكونية لكنيسة المشرق الاشورية بين التقدم والتعثر، برو اورينتي، الحوار السرياني، المداولة الرابعة، غير رسمية، فيينا 2001.