إبعاد المسيحيين عن مصطلح “دار الحرب” مهمة إنسانية – غبطة المطران مار ميلس زيا

إبعاد المسيحيين عن مصطلح “دار الحرب” مهمة إنسانية – غبطة المطران مار ميلس زيا

عقد لكلية مار نرساي الاشورية المسيحية في سيدني، في النقر على الحجر – سامي القس شمعون

 

كنيسة المشرق الاشورية ومار نسطورس

كنيسة المشرق الاشورية ومار نسطورس

غبطة المطران مار ميلس زيا

أنتجت الحروب الدائرة بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، مناخاً سياسياً ادى الى عزل كنيسة المشرق عن الغرب. فلم يتسنى لكنيسة المشرق أن تحضر أو يمثلها أحد في المجامع الكنسية الأولى ولا حتى المساهمة أو مناقشة مقررات أي مجمع ومن ضمنها مجمع افسس 431 م.

وبالنظر للظروف الاستثنائية التي عاشتها الكنيسة آنذاك فقد استقلت في كل شؤونها، حتى تبنت لاهوتاً تم اعتباره مختلفا عن الكنائس الأخرى. ومع ذلك فقد قبلت صيغة ايمان مجمع نيقية 325 م وإن كان ذلك في فترة متأخرة في مجمع مار اسحق عام 410 م، وكان هذا دليلا على أن استقلالية لاهوتها لا يعني الابتعاد عن جسم الكنيسة جمعاء. لكن تدخلات ذات اهداف غير كنسية استغلت تشكيل صيغ العقائد وكذلك صيغ ايمان كنائس اخرى في المنطقة بعيدا عن حدود الامبراطورية الرومانية، قادت الى عقد مجمع أفسس 431 م واقرت ادانة مار نسطورس بسبب عقيدته لكن ذلك لم يؤثر على الكنيسة نفسها لأن مار نسطورس لم يكن يوما بطريركا لها.

إن كنيسة المشرق أعترفت بقوانين مجمعي نيقية 325 م والقسطنطينية 381 م. وكذلك قبلت اعلان مجمع خلقيدونية 451 م بخصوص الطبيعتين في المسيح، لكنها تريثت في قبول مفهوم الاتحاد بين الاقنومين، حيث نادى مجمع خلقيدونية باقنوم واحد في المسيح. فيما كان الموروث الايماني والعقائدي لكنيسة المشرق يقوم على الايمان بطبيعتين واقنومين في شخص يسوع المسيح.

واحتفاظ كنيسة المشرق كذلك بلقب “والدة المسيح” في وصفها للقديسة مريم العذراء، بسبب اعتقادها أن لقب المسيح يشمل كلا من “الاله التام” و”الانسان التام”، وانحراف تفسير معنى كلمة اقنوم بالسريانية الى مفهوم بعيد كليا عن ايمانها حيث ترجم خطأ الى كلمة “شخص”، فقد أطلق فيلوكسينوس المنبجي Philoxenos of Mabbug في مطلع القرن السادس، اسم النساطرة على اتباع كنيسة المشرق.[1]

تبنت كنيسة المشرق لاحقاً، مفاهيم المسيحانية الانطاكية، ضد المفاهيم التي طرحها اوطيخا.[2] إن ربط كنيسة المشرق بنسطورس بطريرك القسطنطينية، كان غير مبرر. لأن الكنيسة شددت على ان معيار ايمانها العقائدي واللاهوتي والكرستولوجي هو ما اعلنته في وثيقة ايمانها وما تعبر عنه في صلواتها الطقسية وما تتضمنه من عقائد. وليس من المنطق ان تتهم الكنيسة بالهرطقة بناء على ما نسبه خصوم مار نسطورس له من منطلقات وعقائد يصعب التأكد من صحة نسبتها اليه بسبب ما تعرضت له كتاباته من اتلاف وكثرة الشكوك في صحة النزر اليسير الذي وصلنا منها.

إن اطلاق اتهامات بهرطقة كنيسة المشرق جاء نتيجة الالتباس وسوء الفهم الحاصل في ترجمة المفردات ومفاهيمها وهو ما حصل على سبيل المثال في مفردة (قنوما)، وفي هذا الصدد يقول الدكتور سيباستيان بروك، من الضروري ان نترك كلمة qnoma مكتوبة كما هي بلغتها لتجنب أي سوء فهم.[3]

ولا شك اننا نفهم ان العقيدة الارثذوكسية المنادية بطبيعة واحدة واقنوم واحد في المسيح، من دون ان نحور في المعنى بكل الاحوال والقول انها تعني الغاء ناسوته. وهكذا كان ينبغي على الاطراف ان تتفهم تعابير وصيغ ايمان الكنائس الاخرى مثل كنيسة المشرق على سبيل المثال، من دون تقويل وتفسير ايمان الكنيسة التي تؤمن بطبيعتين واقنومين في المسيح، أنها تأكيد لوجود شخصين في المسيح.

كذا الحال مع تعبير “والدة الله” الذي يأخذه البعض على ان الكنيسة لا تؤمن بالوهية المسيح، لكن استخدام تعبير “والدة المسيح” يعبر ضمنا أن والدة المسيح ربنا، هي والدة “الاله التام” ووالدة  “الانسان التام” في الوقت ذاته.

وهذا ما يرد في ليتورجية الكنيسة ففي صلاة ختام القداس تنشد الكنيسة: (ܡܫܝܚܐ ܐܠܗܢ ܘܡܠܟܢ ܘܦܪܘܩܢ ܘܡܚܝܢܢ ܘܫܒܘܩܐ ܕܚܛܗ̈ܝܢ) وترجمتها (المسيح الهنا وملكنا ومخلصنا ومحيينا وغافر خطايانا)، اضافة الى العديد من الصلوات ومنها نخص بالذكر ترديد قانون ايماننا النيقاوي الذي يقر بالوهية المسيح وانسانيته.

ونخلص الى القول أن الظروف التي مرت بالكنيسة عبر الاجيال حتمت عليها التأثر بالبيئة الثقافية تحت سيطرة العديد من السلطات وتعاقبها وممارسة ابشع انواع الاضطهاد في العادة منذ العهود الساسانية حتى العصور العثمانية في القرن الماضي. نتيجة الضغوط القاسية التي عاشتها الكنيسة كان عليها التمعن بفطنة وحنكة على اطلاق التعابير والتفاسير عبر العصور المختلفة وسط شراسة اتباع افكار ومعتقدات مغايرة. ولم يكن من السهل ان يتقبل وسط مختلف عقائديا ودينيا يشكل الغالبية تعبيرا مثل ” والدة الاله” وكان يعده في الغالب كفرا.

ان اعتقاد كنيسة المشرق بخصوص طبيعة المسيح، يقول بشخص واحد، ذو اقنومين وطبيعتين. ولعل تفسير هذه الصيغة على انها شخص واحد وطبيعتان ملموستان، وطبيعتان مجردتان، هي ارثذوكسية تماماً اذا ما حاولنا ان نفهم تماما كيفية اتحاد الذات الالهية مع الناسوت[4].

[1]  A Ssemani (note3),P. LXXVII. راجع ايضا: ادلبرت ديفز، هل لاهوت الكنيسة الاشورية نسطوري؟ الحوار السرياني 247.

Philoxenus of Mabbug (died 523) was one of the most notable Syriac prose writers and a vehement champion of Miaphysitism.

[2]  ادلبرت ديفز، هل لاهوت الكنيسة الاشورية نسطوري؟ الحوار السرياني 259.

[3]  سيباستيان بروك، دراسات في المسيحانية السريانية في Variorum XIII 131. الحوار السرياني.

[4] مار افرام موكن، هل لاهوت الكنيسة الاشورية نسطوري؟ الحوار السرياني 275