هل الكنيسة هي نحن جميعاً ؟
هل الكنيسة هي نحن جميعاً ؟
الخوري حنا عيسى
للكنيسة تعاريف عديدة ومختلفة. فهي تعرف، أحياًناً، بالمكان الذي يجتمع فيه المؤمنون للصلاة في حين يعرفها آخرون، أحياناً، بجماعة المؤمنين. وأخيراً يعرفها البعض بالرؤساء ومن دون ما يسمى بالعلمانيين. فكان هذا التعريف الأخير سبباً في تهميش أو إقصاء شريحة واسعة من المؤمنين من حياة الكنيسة ورسالتها، مما حدا بالبعض إلى إطلاق عبارة شهيرة، هذه العبارة التي أود أن أتناولها في هذا المقال.
- الكنيسة هي نحن جميعاً.
ثمة عبارة شهيرة للغاية ألا وهي:”الكنيسة هي نحن جميعاً. والمقصود بهذه العبارة “نحن جميعاً” الصغار، الكبار، الرجال، النساء، الشباب والشابات. فكل هؤلاء المؤمنون ولاسيما المعمدون يؤلفون الكنيسة أو بتعبير آخر الكنيسة هي الرؤساء والشعب، هي القمة والقاعدة معاً.
بهذا الإيمان ولاسيما بهذا العماد المسيحي يمسي كل هؤلاء أعضاء أحياء، حقيقيون وكاملون في الكنيسة جسد المسيح، لهم مكانتهم ودورهم ورسالتهم. وما رسالة هؤلاء جميعاً، قمة وقاعدة، كل حسب موقعه، إلا رسالة واحدة ألا وهي رسالة حمل وإعطاء المسيح وإنجيله إلى العالم اليوم. تلك هي ميزة المسيحي الذي هو وحده القادر على إعطاء المسيح للآخرين.
ولكن، لكيما نفهم الواقع الحقيقي وراء إطلاق مثل هذه العبارة فلا بد أن نعيدها إلى إطارها أو سياقها التاريخي. فلقد قيلت هذه العبارة في وقت كان يتم تهميش أو إلغاء أو إقصاء أو اغتراب شريحة واسعة، عريضة وأساسية من المؤمنين ألا وهم العلمانيون. فجاءت هذه العبارة لتؤكد على حق هؤلاء جميعاً في إشراكهم في حياة الكنيسة ورسالتهم، إذ لا يمكن تصور كنيسة من دون كل المؤمنين، طالما أنهم جميعاً أعضاء فيها.
وستبقى هذه العبارة صحيحة، طالما يتم تهميش أو إقصاء أحد أو بعض المؤمنين من حياة الكنيسة ورسالتها. ولكن ستنتفي الحاجة إليها إذا ما تم إشراك جميع المؤمنين في هذه الحياة كما في هذه الرسالة.
- نشأة الكنيسة.
بيد أن الكنيسة لم ولا تنشأ بفعل إرادة البعض ذلك إنها ليست تنظيماً اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً وإنما الكنيسة هي تجمع أو جماعة المؤمنين، هذه الجماعة التي ولدت بفعل الإيمان بقيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات. فلولا القيامة، هذا الحدث الرئيس والحاسم في حياة يسوع المسيح، لما كانت الكنيسة ذلك أنها ولدت من رحم القيامة وبالتالي فهي بنت القيامة,
من هنا نفهم فرادة وخصوصية الإيمان المسيحي ذلك أن المسيحيين لا يؤمنون بوجود إله واحد حقيقي حسب بل بقيامة الرب يسوع المسيح ببعديه التاريخي والإيماني.
- الكنيسة مؤسسة.
أما من قاد، في البداية، هذا التجمع الإيماني فهم، ولاشك، الرسل أوائل المؤمنين بقيامة الرب يسوع. ومن ثم ظهر أنبياء في كنيسة القديس متى كانت تقوم مهمتهم على نقل كلمة الله وترئس الافخارستيا. ففي شأن الأنبياء يعطي كتاب الديداكي القريب من هذه الكنيسة مواصفات للتمييز بين النبي الحقيقي والنبي الكاذب. أما بالنسبة إلى الافخارستيا فهو يكتب قائلاً: “ليشكر الأنبياء ما طاب لهم الشكر” كما ظهر الشيوخ وأخيراً الشمامسة والأساقفة الذين يشير إليهم كتاب تعليم الرسل الأثني عشر إذ يكتب قائلاً: “وهكذا انتخبوا لكم أساقفة وشمامسة، رجالاً مختبرين جديرين بالرب ودعاء، سالكين في نزاهة واستقامة لأنهم يؤدون لكم خدمة الأنبياء والمعلمين”.
بيد أن التطور التدريجي والمراحل التاريخية التي مرت بها الكنيسة فرضت على هذا التجمع أو هذه الجماعة أن يتخذ شكل مؤسسة فسميت بالمؤسسة الكنسية شأن كل المؤسسات الأخرى، هذه المؤسسة التي لها قادة وقوانين وأنظمة خاصة بها تزداد بمرور الزمن.
وفيما تعاقب وما يزال يتعاقب المؤمنون في هذه الجماعة، فإن هذه المؤسسة ستبقى قائمة، دائمة، ثابتة وضرورية، على الرغم من ثقلها وصعوبة تقبلها الجديد والتجديد في حياتها.
وإنه لمن الضرورة بمكان احترام هذه المؤسسة وكذلك احترام استقلاليتها لتؤدي مهمتها أو رسالتها التي من أجلها قامت هذه الجماعة- المؤسسة.