ܢܘܗܪܐ ܥܠ ܗܝܡܢܘܬܐ ܕܢܝܩܝܐ – 3 نُوهَارَا عَلْ هَيْمَانُوثَا دْنِيقيّا

untitled

مار عمانوئيل، أسقف كندا

لغرض تحميل الملف، يرجى الضغط على الكلمة التالية:

Download [287.18 KB]

 

أَشعَّة حِكْمَة الرُوح القُدس ܨܹܡܚܸ̈ܐ ܕܚܹܟܹܡܬ݂ܵܐ ܪܘܼܚܵܢܵܝܬܵܐ… ܡ̣ܢ ܓܲܙܸ̈ܐ ܘܣܝܼ̈ܡܵܬ݂ܵܐ ܕܥܸܕܬܵܐ ܕܡܲܕܢ̱ܚܵܐ

t

مقالة جديدة لنيافة الاسقف مار عمانوئيل، أسقف كندا

لتحميل الملف بصيغة بي دي أف، يرجى الضغط على كلمة

نُوهَارَا عَلْ هَيْمَنُوثا دْنِيقِيّا ܡ̣ܢ ܟܬܵܒ݂ܵܐ ܗܝܡܢܘܬܐ ܕܒܢܘܢ̈ܐ ܕܥܕܬܐ مار عمانوئيل، أسقف كندا

Capture

لتحميل الملف بصيغة بي دي أف، يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://bethkokheh.assyrianchurch.org/wp-content/uploads/2016/09/16-8-30.pdf

 

 

16-8-30-page-001 16-8-30-page-002 16-8-30-page-003 16-8-30-page-004

السنهادوس (ܣܘܢܗܕܘܣ) حسب قوانين كنيسة المشرق

السنهادوس (ܣܘܢܗܕܘܣ) حسب قوانين كنيسة المشرق

 

القس الدكتور أبريم الخوري فيليبوس

ܣܘܢܗܕܘܣ (ܟܢܘܫܝܐ المجمع: عرفه الآباء في مجموعاتهم القانونية على أنه اجتماع كنسي، فيه يجتمع الرؤساء مع بعضهم او يجتمعون مع  المؤمنين، وقد شرحوه ووضحوه بمثال من الطبيعة، عندما قالوا عنه، انه كاجتماع الشمس او القمر مع النجوم[1].

حسب القوانين هناك شكلان من الاجتماع:

 الاول، اجتماع المؤمنين مع رؤسائهم، من أساقفة ومطارنة، مثلاً.

والثاني، اجتماع رؤساء الكنيسة فيما بينهم، كاجتماع الاساقفة والمطارنة مع بعضهم، اواجتماعهم مع رئيسهم البطريرك.

ويسمى كلا شكلي هذا الاجتماع، بالمجامع السنهادوسية[2]، الا أن المجامع السنهادوسية التي تتضمن الاساقفة والمطارنة مع البطريرك غالباً ما تدعى بالمجامع الكبيرة، العظيمة او المقدسة[3]، وعليه نستنتج ان العنصر الاساسي لكي يدعى اجتماع ما بالسنهادوس بان يكون مع الرئيس الكنسي سواء كان رئيساً محلياً كالاسقف اوالمطران او رئيساً عاماً كالبطريرك.

 

متى تسمى القوانين سنهادوسية وتكون سارية المفعول؟ هل القوانين او الكتب القانونية التي يضعها احد المؤلفين القانونين، الاساقفة، المطران او البطريرك تُسمّى قوانين سنهادوسية؟

 

إنّ أيّ قانون لا يتم إقراره او لا تتم الموافقة عليه في مجمع سنهادوسي، لا يعتبر قانوناً سنهادوسياً، وليس له مفعول على المؤمنين. فاذا كتب مؤلف ما، قانوناً او مجموعة قوانين، ووافق عليها الاساقفة والبطريرك في مجمعهم السنهادوسي، فعندها يتم إدراجها ضمن القوانين السنهادوسية للكنيسة، وتكون سارية المفعول على الجميع، مثل القوانين التي كتبها كل من ” مار طيماثيوس الاول، ايشوعبرنون، ايشوعبوخت، عبديشوع الصوباوي وغيرهم” والتي وافق عليها المجمع فيما بعد، وأُدرجت ضمن القوانين الرسمية للكنيسة، مع القوانين الأخرى التي تم اقرارها في المجامع الكنسية)[4].

 

غاية او اهمية المجمع: للمجمع دور مهم وأساسي في الكنيسة حيث يعتبر السلطة التشريعية الوحيدة في سَنّ، تغيير او إبطال القوانين الكنسية واصدار القرارات والتوجيهات حولها، كما وله سلطة قضائية حيث ،تصدر منه الاحكام النهائية بالاخص في القضايا المتعلقة بالاكليروس، كما وله دور تنظيمي وراعوي وايماني حيث من خلاله يتم وضع وتنظيم الطقوس و يُعنى بتنظيم الشؤون الإدارية والراعوية للأبرشيات ويتناول مسائل تخص الإيمان وتثبيت الإيمان القويم؛ وكما تناقش وتصلح فيه كل القضايا الخاصة والمهمة للبطريركية ولبقية ابرشيات والمؤمنين، وفيه تبطل كل الخلافات والشكاوي[5]. كما ومن خلاله يتم ترشيح واختيار البطريرك.

حدّدت القوانين السنهادوسية لكنيسة المشرق ثلاثة أنواع من المجامع، وهي: المجامع الأسقفية، المجامع المطرابوليطية و المجامع البطريركية.

ا- المجمع الأسقفي (الأبرشي): هو المجمع الذي يجتمع فيه الأسقف مع مؤمني أبرشيته أو مع الرهبان في الأديرة التي هي تحت سلطته الإدارية. وتقع على عاتق خورأسقف الابرشية إعلام وجمع المؤمنين والرهبان في هذا المجمع.

عدد المجامع وأوقاتها : أوجبت القوانين كل أبرشية من أبرشيات كنيسة المشرق أن يجتمع أسقفها مع مؤمني أبرشيته مرتين في السنة في مجمع رسمي، على أن يكون الاجتماع الأول في الشتاء والثاني بعد عيد القيامة[6]. بينما عليه أن يجتمع مرة واحدة في السنة مع رئيس ورهبان الأديرة الخاضعة لسلطته، وكلما رأى الخورأسقف أنّ ذلك ضروري[7].

المشاركون في المجمع:  من حق وواجب المؤمنين واكليروس الأبرشية جميعاً أن يشاركوا فيه، كما ويجب أن يكون مع الأسقف في هذا المجمع أركذياقونه وخورأسقفه، أمّا مع الرهبان فيجتمع الأسقف مع الخورأسقف ورئيس الدير والرهبان.

غاية المجمع: غاية المجمع هي بالدرجة الاولى تنظيمية وراعوية، ففيه تصدر التوجيهات للمؤمنين وللكنائس ورعاياها لتنظيم الأمور المهمة والضرورية للأبرشية، وفيه يقدم المؤمنون الاحترام للأسقف ويشاركون معه في الأسرار الإلهية ويقبلون منه البركة[8]، و يقرأ عليهم الخورأسقف القوانين الكنيسة وقوانين الاديرة[9]. وإن أُهمل هذا النوع من المجامع في كنيستنا إلا أنه ضروري جداً للمؤمنين وللأبرشية والكنيسة بصورة عامة، ففيه تُنظم القضايا المهمة لخدمة الأبرشية وتُحلّ جميع الإشكالات وفيه يكون الأسقف قريباً من المؤمنين والاكليروس فتستمع الرئاسة الكنسية الى اقتراحاتهم وحاجاتهم إلى المجمع المطرابوليطي او المجمع العام مع البطريرك، فبهذا يشترك المؤمنون أيضاً بصورة غير مباشرة في المجمع العام برئاسة البطريرك من خلال توصيل حاجاتهم ومقترحاتهم.

ب- المجمع المطرابوليطي: بعد اجتماع أساقفة المدن الصغيرة مع مؤمني أبرشياتهم ومع الرهبان فقد أوجبت عليهم القوانين ان يجتمعوا مع مطرانهم في مكان يحدده المطران[10].

عدد وأوقات المجمع: حسب المجامع الشرقية ينعقد المجمع مرة واحدة في السنة وذلك في شهر أيلول[11]؛ وحسب القوانين الغربية والمسكونية فيكون المجمع مرتين في السنة؛ وقد حددت اوقات عقدها بعض القوانين، حيث أنّ الأول يكون بعد ثلاثة أسابيع من عيد الفصح، والثاني في منتصف تشرين الأول[12].

المشاركون في المجمع: يشارك في هذا المجمع كلّ أساقفة الأبرشية مع مطرانهم، كما يحق بل يجب ان يشارك فيه أيضا الخورأسقف والأركذياقون؛ حيث يوضع كرسي في وسط الأساقفة عليه الإنجيل والصليب، ويجلس الأركذياقون من اليمين والخورأسقف من اليسار[13] ، وبدون مشاركتهم لا يمكن للأسقف أو المطران عقد مجمع فيما بينهم أو مع المؤمنين[14].  لكن لا يحق للقساوسة وما دون درجتهم أن يشاركوا او يتنصتوا إلى المجمع وذلك تحت طائلة العزل والحرم[15].

غاية المجمع: ترتيب، تنظيم وإصلاح كل القضايا التي تخص الأبرشيات والأساقفة وفض وحل النزاعات والخلافات والمشاكل في الأبرشيات بين الأساقفة أو بينهم وبين الاكليروس والمؤمنين وإصدار الأحكام بحق المخالفين[16].

ج- المجمع البطريركي: بعد اجتماع أساقفة كل أبرشية مع المطران رئيس أبريشيتهم، فقد ألزمتهم القوانين ان يجتمعوا جميعاً في مجمع عام يجتمع فيه أساقفة ومطارنة كل الأبرشيات مع البطريرك رئيسهم الأعلى.

عدد وأوقات المجمع: هناك اختلاف بأوقات المجامع البطريركية وعددها بين القوانين الشرقية والغربية أو المسكونية؛ حيث يكون مرة بالسنة حسب القوانين الغربية[17]؛ أما القوانين الشرقية فنتيجة الاضطهادات وبعد المسافات ومخاوف الطرق فقد حددته القوانين كل أربع سنوات[18]. وكلما اقتضت الأمور او الحاجة التي يدعى اليها البطريرك. على أن يكون دائماً قبل الصوم الكبير من تلك السنة[19].

المشاركون في المجمع: يشارك في هذا المجمع كل الأساقفة والمطارنة في كل الأبرشيات، ففي هذا المجمع لا يحق للكاهن المشاركة فيه ولا حتى الخورأسقف والأركذياقون[20]. حيث يقوم الأسقف قبل البدء بالمجمع وينادي بصوت عال ومسموع كلّ من ليس أسقفاً ويبقى في هذا المكان موقوفاً بكلمة الله، كما ويكون موقوفاً كل من يسمع من الأبواب والنوافذ، عندها يغلق الباب ويبدأ المجمع[21].

إلزامية الحضور: تشترط القوانين السنهادوسية على الأساقفة والمطارنة جميعاً الحضور والمشاركة في المجمع وذلك تحت طائلة العزل، إلا في الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القوانين، أهمّها المرض والعجز وبعد المسافة[22]. ومع ذلك فكثيراً ما كانت ظروف البلاد القاسية وبعد المسافات وصعوبة الموصلات وعمر الأساقفة المتقدم تمنع حضور الكثير منهم[23].

هناك ستة مطارين أوجبت عليهم القوانين الحضور دائماً دون عذر، هم: مطران عيلام، مطران نصيبين، مطران البصرة، مطران آثور، مطران بيث كرماي، مطران حلوان. ومن الجدير بالذكر ان السنهادوس قد أكرم هذه الكراسي بان جعل رسامة البطريرك على يدهم[24].

المطارنة البعيدون: في حال كون المطارين البعيدين لا يمكنهم الحضور للمشاركة في المجمع البطريركي، نتيجة الاضطهادات أو مخاوف الطريق أو تقدم العمر مثل (الصين، الهند، فارس، ماروزايي، شام، بيث رازيقايي، سمرقند)، فهم ملزمون أن يرسلوا كلّ 6 سنوات رسالة الوحدة والطاعة والخضوع إلى البطريرك، وفيها يبينون أيضاً نشاطات وحالة أبرشياتهم والأمور التي تحتاج الى الإصلاح[25].

إلزامية القوانين والقرارات: إن القرارات والقوانين التي تصدر من المجمع يجب أن تُوقّع خطّيا وتُختم[26] من قبل جميع المشاركين، كما ويجب أن يحتفظ كل عضو من أعضاء المجمع المقدس بنسخة من القوانين والقرارات والأعمال، وعليه أن يسهر على تنفيذ وتطبيق ما تتضمنه[27]. وقرارات وقوانين المجمع تكون ملزمة أعضاء المجمع المقدس ولجميع الاكليروس والمؤمنين، ولا يحق لأحدهم أن يُظهر الموافقة إبان انعقاد المجمع، ثم يتنصل من مسؤولية التأييد والتنفيذ بعدئذ بحجة أنّه لم يكن موافقاً، لأنّ حرية إبداء الرأي مطلوب في المجامع. وقد وضعت المجامع عقوبات صارمة ضد من يعارض المجامع وقراراتها، فثمة الحطّ من الدرجة والتجريد من المنصب والإيقاف عن الخدمة وثمة الشجب والقطع عن الشركة والحرم[28].

القس الدّكتور أبريم الخوري فيليبوس

كاهن كنيسة مار عوديشو ومار قرداغ- بغداد

[1]  ابن الطيب2, ق1, ص78؛ عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف1, ق1؛ عبديشوع, نظام الاحكام الكنسية, ف 4, ق2.

[2] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف1, ق1.

[3] مجامع كنيسة المشرق, مار اسحق, ق1؛ مار يهبالاها ص 41-43؛ مار ابا, ق 14؛عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية، ف 8, ق19.

[4] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف1, ق1؛ ابن الطيب, فقه النصرانية ج2, ق1, ص78.

[5] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف 8, ق19؛ ابن الطيب, ج1, ق15 ص115؛ ابن الطيب ج2, ق25 ص 126؛ مجامع كنيسة المشرق, مار اسحق, ق6؛ مار كوركيس الاول, مقدمة؛ مار طيماثيوس الاول, ق4..

[6] مجمع نيقية حددها قبل صوم الكبير وفي الخريف, قانون 5؛ ابن الطيب ج1, ق 5 ص 26؛ اما مجمع انطاكيا فقد حددها الاول بعد ثلاث اسابيع من عيد القيامة اما الثاني ففي 15 تشرين الاول: ابن الطيب ج1, ق 20 ص 64.

[7] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف 9, ق 10.

[8] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف 9, ق 10.

[9] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف6, ق7؛ مجامع كنيسة المشرق, مجمع ايشوعياب, ق31.

[10] ابن الطيب, ق19, ص80؛ مجامع كنيسة المشرق, مجمع مار باباي 11.

[11] مجامع كنيسة المشرق, مجمع مار باباي ومجمع مارخزقيال ق 16؛ ابن الطيب2, ق22, ص126.

[12] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف9, ق11؛ مجمع نيقية ق9, انظر عبديشوع, نظام الاحكام الكنسية, الباب1 الفصل 6 ق 9؛ ابن الطيب 1, ق20, ص64.

[13] ابن الطيب2, ق27, ص127.

[14] ابن الطيب2, ق27, ص127؛ ابن الطيب1, ق 67, ص 52؛ قوانين مار ايليا, قانون 68 من نيقية العربية.

[15] عبديشوع, نظام الاحكام الكنيسة القانون, الباب 1 الفصل 6, القانون 67.

[16] مجامع كنيسة المشرق, مجمع مار يوسف, ق 16؛ مجمع حزقيال, ق 16؛ عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, الفصل 8, ق19.

[17][17] مجمع نيقية, ق 9, انظر عبديشوع, نظام الاحكام الكنسية, الباب1, الفصل 6, ق 10.

[18] هناك تغير مستمر بعدد المجامع البطريكية في تأريخ كنيسة المشرق حيث تغير من مرتين في السنة الى مرة كل سنة او سنتين ثم واخيراً كل اربع سنوات, الا ان الكنيسة لم تلتزم بهذه المواعيد لاسباب التي تم ذكرها. انظر ابن الطيب2, ق28, ص128؛ مجامع كنيسة المشرق, مار اسحق, ق6 , مار باباي , مار حزقيال ق16, ايشوعياب, ق30.

[19] بعض القوانين في المجامع الاولى حدده في التشرين الثاني, الا ان مار باباي هو اول من جعله قبل الصوم الكبير؛ عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف 8, ق 19؛ مجامع كنيسة المشرق, مجمع مار باباي؛ ق11, مار حزقيال, ق15؛ مار ايشوعياب, ق 30.

[20] قديما كانوا المؤمنين وبقية الاكليروس ايضاً يشاركون فيه سواء ممثلين عن اسقفهم او عن الشعب, راجع, مجامع كنيسة المشرق الموقعون في نهاية المجامع, ابن الطيب2, ق27, ص127.

[21] ابن الطيب1, ق67, ص 52؛ قوانين ايليا, ق 68 من نيقية العربية؛ عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف8, ق19.

[22] ابن الطيب1, ق40, ص69؛ ابن الطيب2, ق26 ص 127؛ مجمع باباي في ابن الطيب1, ص94؛ مجامع كنيسة المشرق, مجمع ايشوعياب, ق27, ص30.

[23]  ابن الطيب2, ق28, ص128.

[24] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية، ف 8, ق 19.

[25] ابن الطيب2, ق28, ص128

[26],انظر نهاية كل المجاميع.

[27] مجامع كنيسة المشرق, مار اسحق, ق 10؛ مار يوسف, ق6؛ مجمع ايشوعياب, ق34- 35.

[28] عبديشوع, مختصر القوانين السنهادوسية, ف 8, ق 19؛ نيقية, ق 3؛ ابن الطيب 2, ق26, ص127.

ايمان كنيسة المشرق (الجزء الثالث)، موقف كنيسة المشرق من عقيدة انتقال مريم العذراء الكاثوليكية

ايمان كنيسة المشرق (الجزء الثالث)، موقف كنيسة المشرق من عقيدة انتقال مريم العذراء الكاثوليكية

الشماس نينب رمزي

مريم العذراء ام يسوع المسيح الناصري هل انتقلت؟ ماذا يعني الانتقال؟ موقف كنيسة المشرق من عقيدة الانتقال الكاثوليكية،  شروط الكنيسة الكاثوليكية في الشركة، التأثير المريمي على العلاقات الكاثوليكية البروتستانتية وانعكاسها على ابناء كنيسة المشرق؟

انظري امي ها انا اُحول كل شئ الى جديد… (مشهد من مشاهد فلم آلام المسيح اثناء رفعه للصليب امام امه العذراء مريم)

ما عرفه وتعلمه ابائنا واجدادنا وحتى اليوم ان دور مريم العذراء في تاريخ الانسان المسيحي كان لا شك مؤثرا، فكيف اختار الله ان تكون موطئ روحه في زمن الظلمات والطريقة التي حاورها بها عن طريق الملاك ليبشرها بأنها ستلد المخلص واسمه عمانوئيل ومدى فرحها وتهليلها بكلام الرب فكل هذا هو تابع للايمان العجائبي والذي تم من خلاله تقديس مريم واعتبارها منذ لحظة المحاورة مع الملاك هيكلا مقدسا حين حل عليها الروح القدس وحملت بيسوع المسيح وفيما بعد تلده وتكاد لا تُذكر فيما بعد الا في بعض الاحداث البسيطة في الاناجيل المقدسة كعرس قانا وايجاد المسيح في الهيكل ومشهد الصلب.

الانتقال يعني ان تذهب من مكان لمكان آخر انت وكل ما تملك معك لمكان جديد.

هذا ما شرحته الكنيسة الكاثوليكية عن مريم العذراء واعتقدته في المجمع الفاتيكاني الاول 1854 حيث وضعت عقيدة الحبل بلا دنس لمريم العذراء وفكرة الانتقال كانت تحوم في المجمع حتى اتخذتها عقيدة رسمية عام 1950 واكدت عليه في المجمع الفاتيكاني الثاني (1959_1963) مدعية ان مريم العذراء انتقلت بالروح والجسد من العالم الانساني الى العالم الملكوتي حيث لاقت الفكرة رفضا ارثودوكسيا من حيث المبدأ كونها كانت فكرة البابا بيوس التاسع والبابا بيوس الثاني عشر المتأثرين بالتعبد المريمي الدخيل والذي لم يكن له اي اساس كتابي من الكتاب المقدس حيث اعتبروا العقيدة حديثة غير مبنية على اسس ابائية وبيبلية.

بَنَت الكنيسة الكاثوليكية عقيدة الانتقال المريمية على فرضيات منها:
1. الجسد المريمي جسد مقدس حيث اختاره الرب هيكلا لنمو ابنه الوحيد والمخلص ولا يمكن ان يرى فسادا .
2.  ان مريم العذراء محفوظة من الخطيئة الاصلية لادم! (المجمع التريدنتيني 1483) والا فكيف اختارها الله لتكون والدة المسيح الفادي الذي لا يمكن ان يرث الخطيئة الاصلية لادم على الرغم من الاختلاف كون هذا الحفظ هو بالاصل (اي منذ ولادتها قد اختيرت) او منذ قولها نعم وقبولها لروح القدس من الملاك
3.  ان مريم لا يمكن ان تنفصل عن المسيح ,فكيف يمكن لتلك التي حملته في بطنها وغذته من حليبها وشدته الى صدرها ان تنفصل عنه بالجسد بعدما صعد الى السماء. من كل هذا نتأكد ان العقيدة كانت مبنية على تأثر البابا بالتعبد المريمي الشخصي وطغى ايمانه على ابناء الكنيسة الكاثوليكية وقتها.

بينما حسب ايمان كنيسة المشرق فإن الكنيسة رفضت التسمية والفكرة (الانتقال الجسدي) لعدة اسباب:
1. لا تتبنى اي عقيدة لا جذور لها من الكتاب المقدس او على الاقل ما تقوله الروايات الآبائية حيث لا الكتاب المقدس ولا اباء الكنيسة ولا حتى الليتورجيا يذكرون ان مصير مريم العذراء كان الانتقال بالجسد.
2. الكنيسة الكاثوليكية تبنت الذكرى المريمية من كنيسة المشرق في القرن ال12 حيث لكنيسة المشرق ذكرى (رقاد) مريم العذراء،  الاصلي هو الذي يقام في الشهر الثامن (آب) بينما جعلته كنيسة المشرق 3 تذكارات في السنة كلها مبنية على اساس العيد الاصلي وهو عيد الرقاد اي الموت بالجسد والدفن على غرار كل انسان مع وضع اهمية كبرى لها حيث لها صلوات تتلى في ليتورجيا الكنيسة من صلوات المساء والصباح والقداديس بالضبط كما للقديسين والابرار لا بل اكثر ولكن تلغي فكرة التعبد المريمي الذي اتخذته الكنيسة الكاثوليكية وفكرة الانتقال التي نمت وتطورت في القرنين ال19 وال20.
3. مريم العذراء خلُصت ككل القديسين والابرار بدم المسيح حيث هو وهو فقط الرجاء الوحيد لبني البشر لخلاصهم من خطيئة ادم ولا استثناء في ذلك.
4.  حسب كل المصادر والروايات الابائية, اخنوخ وايليا هما الوحيدين الذين رفعهم الرب اليه بالجسد والروح والرب حل بيننا بالجسد الانساني والروح الالهية وارتفع بنفس الفكرتين.
5. كنيسة المشرق لم تتأثر بعقيدة الانتقال لسبب رأته جليا في رفع مكانة مريم العذراء الى مكانة اكثر مركزية ربما من المسيح نفسه وهو نفس الامر الذي تتبعه لكل القديسين.
حسب كل ما ذُكر وهو مبني على الاساس الليتورجي والذي يعتبر المستند اللاهوتي الرئيسي في كنيسة المشرق نتأكد ان مريم العذراء قد توفت ورقدت و ان لا مجال للفرضيات لتدخل وتغير هذا الفكر (وعندما ترتفعين مع القديسين بتعالي فوق الغيوم للقاء ابنكِ في النهاية) مقطع من تراتيل تتلى في كنيسة المشرق، وان كل من يؤمن بعقيدة الانتقال انما هو متأثر بالعقيدة الكاثوليكية الحديثة.

في الخاتمة ولتعليم ابناء كنيسة المشرق الاحباء نقول: موضوع الانتقال المريمي ناقشته الكنيسة البروتستانتية والكاثوليكية حيث ونتيجة الخلافات الكبيرة في العصر الاصلاحي الحديث لمارتن لوثر والكنيسة الكاثوليكية شكلت هاتين العقيدتين عقدة لم تحل حتى يومنا هذا بين الكنيستين لوجود مشاكل مسبقة بين الكنيستين وشخصيا ارى ان ابناء كنيسة المشرق ليسوا جزء من هذا الخلاف حيث وصل ذروته بين الكنيستين في اواخر القرن الماضي،  ووضعت الكنيسة الكاثوليكية شرطا في محادثاتها وشركتها مع الكنائس الاخرى قبول العقيدتين وبقيت محادثاتها معلقة ليس فقط مع البروتستانت الذين رفضوا عقيدة الانتقال وانما مع كنائس رسولية اخرى حتى اليوم،  وان ايمان كنيسة المشرق المستقيم قد ثُبت سلفا قبل اعلان العقيدتان ومشاكلها بقرون لهذا كنيسة المشرق لم تتقبل عقيدة الانتقال لا بل ايمانها مستقيم ولاهوتها ثابت منذ استلامنا لها من رسل المسيح الاوائل وحتى يومنا هذا.

ان كنيسة المشرق لا تعطي اكثر من الاهمية الواجبة عليها لمريم العذراء كما يفعل الكاثوليك  كما انها لا تقلل من التكريم الواجب لها كما يفعل البروتستانت (مار ابرم موكان مطرابوليط الهند لكنيسة المشرق).

المصادر:
–  كتاب الجوهرة لمار عبديشوع الصوباوي
–  مريم في تصميم الله وشركة القديسين / فرقة دومب الكاثوليكية البروتستانتية
– بحث البكالوريوس للاب الدكتور تياري جونسن
– الكتب الليتورجية لكنيسة المشرق

نُوهَارَا عَلْ هَيْمَنُوثا دْنِيقِيّا ܣܹܦܪܵܝܘܼܬ݂ܵܐ ܐܵܬ݂ܘܿܪܵܝܬܵܐ ܓܵܘ ܫܘܼܠܵܡܵܐ ܕܕܵܪܵܐ ܕܬܫܲܥܣܲܪ مار عمانوئيل/اسقف كندا

لتحميل الملف بصيغة PDF، يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://bethkokheh.assyrianchurch.org/wp-content/uploads/2016/08/16-07-30.pdf

16-07-30-page-001

16-07-30-page-002

16-07-30-page-003

16-07-30-page-004

16-07-30-page-005

16-07-30-page-006

16-07-30-page-00716-07-30-page-008

ܨܠܘܬܐ ܕܠܒܐ ܕܟܼܝܐ – ܡܫܡܫܢܐ ܝܘܣܦ ܢܘܪܘ

1 2 3

ܡܘܫܚܬܐ ܥܕܬܢܝܬܐ – ܩܫܝܫܐ ܐܬܢܣܝܣ ܝܘܣܦ

ܡܘܫܚܬܐ ܥܕܬܢܝܬܐ – ܩܫܝܫܐ ܐܬܢܣܝܣ ܝܘܣܦ

FR.-ATHANASIS-page-001  FR.-ATHANASIS-page-002

FR.-ATHANASIS-page-003FR.-ATHANASIS-page-004

أناجيل مار عبديشوع الصوباوي الْمُسَجَّعَة

لتحميل الملف بصيفة بي دي أف، يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://bethkokheh.assyrianchurch.org/wp-content/uploads/2016/07/16-06-30.pdf

 

 

16-06-30

المدرسة الآشورية في إستراليا فكرة وإجتماع، فجهود وإصرار، ثم إنجازات عظيمة – أبرم شابيرا

 المدرسة الآشورية في إستراليا فكرة وإجتماع… فجهود وإصرار… ثم إنجازات عظيمة

=======================================
أبرم شبيرا

كلمة لا بد منها:
———-

كلما أقرأ خبراً عن المدرسة الآشورية في أستراليا وما لحقها من أنجازات أخرى في تأسيس الكلية الآشورية ومدرسة تعليم اللغة الآشورية وغيرها من المؤسسات الإنسانية والإجتماعية، أنبهرُ كثيراً لا بل أستغرب من هذه الإنجازات الإستثنانية لمجتمعنا في بلد المهجر أستراليا، فتقفز إلى رأسي أفكار وتصورات عن هذا الحدث العظيم الذي يستحق كل التقدير والتثمين والشكر والإمتنان للقائمين على شؤونها، فلا أجد سبيلا لهذا إلا كتابة بعض السطور عنها لكي أبينها كنموذج  لبقية مجتمعاتنا في بلدان المهجر الأخرى يحتدى بها للتحرك نحو أنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل زوال هذه اللغة نهائيا من ألسنة أطفالنا في مجتمعات الضياع والإنصهار. والأغرب من كل هذا وذاك الذي يمتزج بنوع من الأمتعاض هو أن هذا الحدث العظيم في الحفاظ على لغتنا القومية في المهجر، رغم سعة إنتشار أخباره خاصة من خلال الموقع الألكتروني لإخبار كنيسة المشرق الآشورية ورغم أهميته العظيمة إلا أنه لم يهز ضمائر وقلوب وأقلام مثقفي وكتاب أمتنا لا بل وحتى أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية التي تغني ليل نهار بضرورة الحفاظ على لغتنا القومية، ولم تتحرك ببنت شفة لكتابة بعض سطور التثمين والتقدير والتقييم وحتى النقد. لا لوم عليهم “الله يساعدهم” فشغلهم الشاغل هو التناطح والإنتقادات والتهجم بعضهم على البعض خاصة وأحزابنا السياسية مشغولة جداً باللهوث وراء الكراسي والمناصب فلا وقت لهم للإهتمام باللغة القومية وبتدريسها لأن عند البعض هي لغة لا توكل الخبر. هذا الأمر يذكرني باللغوي المشهور والمؤرخ الكبير المرحوم الشماس كوركيس بنيامين أشيتا طيب الله ذكراه، عندما قال، وهو يحاضر في النادي الثقافي الآشوري في بغداد في بداية السبعينيات من القرن الماضي عن اللغة القومية الآشورية: البعض يقول بأن تعلم اللغة الآشورية لا توكل الخبر… ثم أردف غاضباً ومنفعلاً وقال صارخاً: (خيلا كيبا دبستا)

أي بما معنا (أكل حصى بستا – وهو نوع من الحصى الصلد الذي يتراكم بجوانب الأنهر- كما أعتقد)

فكرة وإجتماع :
———-

كل عمل عظيم أو إنجاز كبير لا يبدأ إلا بفكرة أولية قد تكون بسيطة في بدايتها، لا بل قد تبدو في أحيان أخرى ساذجة ومستحيلة ولكن عندما يسندها إيمان راسخ وإرادة قوية وتصميم جدي ويؤازرها دعماً جماعيا فالإحتمال كبير جداً أن تتحول هذه الفكرة البسيطة إلى عمل مثمر ويحقق إنجازات ربما قد تكون غير متوقعة في بداية الفكرة. هكذا فيما يخص تأسيس المدرسة الآشورية في أستراليا. فقد كانت مجردة فكرة بسيطة ولكن بطموح كبير وإيمان قوي، فكرة راودت نيافة الأسقف مار ميلس زيا، حاليا مطرابوليت كنيسة المشرق الآشورية والوكيل البطريركي لأبرشيات أستراليا ونيوزلنده ولبنان، وشغلت باله وأحتلت قمة إهتماماته. فخلال حديث غبطته أثناء الإحتفال باليوم العالمي للغة الأم في شهر شباط الماضي 2016 ذكر “أنه خلال فترة 30 عاماً التي تواجد فيها خارج العراق فإن المؤشرات كانت تشير دوماً إلى أنه هناك تباعدا للشباب عن العمل القومي والإجتماعي وقلة تفاعلهم بسبب ضعف روابط الصلة بينهم وبين الأمة لفقدان عامل اللغة الذي يشكل أهم عامل في المحافظة على الأصالة والتواصل معها”. هذه كانت  فكرة عكست الواقع الصعب لأبناء أمتنا في أستراليا والذي كان يهدد وجودهم القومي بفقدان لغتهم القومية وتناقص أو إضمحلال الشعور القومي والإنتماء الحقيقي لهذه الأمة خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة والأطفال. وفي حينها أدرك غبطة المطرابوليت بأن مثل هذه الفكرة العظيمة يستوجبها مساندة جماعية من أبناء الأمة ومنظماتهم في أستراليا مدركاً بأن اليد الواحدة لا تستطيع التصفيق وأسماع الصوت لهم ، فما كان من غبطته إلا أن يلجاً إلى أبناء أمته لمناقشة الفكرة وتحقيقها على أرض الواقع.

في عام 1995، وأعتقد كان في بدايته، عقد غبطته إجتماع مع بعض المؤسسات والأحزاب الآشورية في أستراليا وكانت أجندة الإجتماع عن مدى إمكانية تأسيس مدرسة آشورية خاصة في أستراليا. وفي حينها نشر خبر هذا الإجتماع في صحيفة “الآشوري التقدمي” التي كان يصدرها حزب بيت نهرين الديموقراطي – العراق في إستراليا وتحت عنوان ” خطوة في طريق الصواب” فأثار موضوع الإجتماع وهدفه النبيل إهتمامي الكبير وحفزني لأبني بعض التصورات والأفكار عن النظرة المستقبلية والنتائج الإستراتيجية لوجودنا القومي في المهجر متخذا من بادرة تأسيس المدرسة الآشورية حالة للدارسة فكتبت موضوعاً تحت عنوان “أفاق إستراتيجية للوجود القومي الآشوري في المهجر” ونشر في حينها في عدد شباط 1995 من الصحيفة أعلاه ومن ثم نشرتهَ مع بعد التعديلات والإضافات في كتابي المعنون: الآشوريون في السياسية والتاريخ المعاصر الذي أصدره إتحاد الأندية الآشورية في السويد عام 1997 . وفي حينها أخذتُ فكرة تأسيس المدرسة الآشورية بنوع من الجدية لكونها بدأت بداية صحيحة وعلى طريق الصواب، ومن خطى ومشى على الطريق الصواب لا بد أن يصل إلى نهايتها ويحقق الأهدف فيما إذا أسندت بجهود إستثنانية وأستمدت عوامل نجاحها من الإيمان والإصرار والإرادة القوية. فمنذ الوهلى الأولى، وكأنسان قومي مهتم بهذه المسائل، أدركت ومن دون عناء وعسر الأهداف النبيلة للفكرة وأبعادها الإستراتيجية القومية التي تخدم أبناء أمتنا في بلدان المهجر لهذا أندفعت لأكتب بما يجود كوامني الغائرة من أفكار وطروحات عسى أن نساهم من موقعنا في أبراز المعالم العظيمة لهذه الفكرة وأهميتها في إستمرار وتواصل الوجود القومي الآشوري المتميز في بلدان المهجر. وهذه السطور ما هي إلا أمتداد لفترة تزيد عن عقدين من الزمن واكبت منذ بدايتها حتى هذا اليوم كل ما تحقق من إنجازات كبيرة على هذا المستوى، خاصة بعد أن تبرعمت الفكرة والإجتماع وجني ثمارها وتجسدت في المدرسة الآشورية وكلية مار نرسي  وغيرهما من المؤسسات التي تديرها كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا.

جهود وإصرار… ثم إنجازات عظيمة:
——————–

نظرة بسيطة ولكن ثاقبة إلى واقعنا القومي سوف نستدل منها بأن للكثير من أبناء أمتنا أفكار خلاقة ومبدعة ولكن مما يؤسف له بأنها في معظمها تكون عاجزة عن إختراق حدود الفكرة ومن ثم العمل لأنزالها إلى الواقع العملي وتطبيقها وبالتالي تتطاير في الهواء وتختفي. من المؤكد الكثير من قراءنا الأعزاء يدركون عندما تكون المسائل القومية حديث يجمع أثنين أو أكثر من أبناء أمتنا ويشحن حديثهم بالحماس والإنفعال، خاصة عندما يكون “الكأس” وقودا لهذا الحماس، تصبح مسألة تحرير آشور وإعادة بناء الإمبراطورية الآشورية قاب قوسين. ولكن ما أن ينتهي لقاءهم بالوداع حتى تتطاير كل الأفكار من رأسهم وكأن شيئاً لم يكن. لقد شبهت هذا الأمر في السابق في كون لأمتنا هيئة تشريعة قوية ولكن لا تمتلك هيئة تنفيذية. كم من الأفكار المبدعة والطروحات المفيدة لهذه الأمة عرضت ونوقشت ولكن لم تنال حقها من العمل والتنفيذ… لماذا؟؟ لأن لو تفحصنا في كوامنها لنجد بأنها تفتقر إلى مبادرات في بذل الجهود المدفوعة بالإصرار والإرادة القوية والإيمان بالفكرة وإمكانية تحقيقها ومن دون إحباط أو تردد أو تراجع من أول عثرة. والمدرسة الآشورية في إستراليا وما لحقها من إنجازات أخرى مثال في هذا السياق. فمن المؤكد عندما بادر غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا عام 1995 بفكرة تأسيس المدرسة كان يتصور الكثير بأنها فكرة صعبة التحقيق أن لم نقل خيالية ومستحيلة خاصة في مجتمعات كمجتمعنا في المهجر حيث الإستقرار غير مضمون والتكامل مع ظروف المهجر ضعيف وصعب التحقيق والموارد المالية والمعيشية ضئيلة والوقت في معظمه مخصص للهوث الفرد وراء المتطلبات المعيشية الصعبة، هذا ناهيك عن الموارد المالية الضخمة التي يتطلبها تأسيس مدرسة خاصة في مجتمع يكون الغلاء سيد الموقف مضافاً إليه ضعف دخل الفرد الذي يتحكم في قراراته الخاصة والعامة. غير أنه يظهر في يومنا هذا، بأن الفكرة الأولية في تأسيس المدرسة تمخض عنها إنجازات كبيرة ولم تأبى للعثرات والصعوبات التي اعترضت طريقها، لأن الإيمان الصميمي بالفكرة و بالإرادة القوية والمثابر وتحمل الصعاب والتغلب عليها عوامل كلها ساعدت على نقل الفكرة إلى الواقع العملي والتطبيقي وبإنجازات لا مثيل لها في مجتمعاتنا في بلدان المهجر.

فمنذ ولادة فكرة تأسيس المدرسة الآشورية في إستراليا عام 1995 وحتى يومنا هذا تم تحقيق إنجازات تعتبر بمقايس ظروف مجتمعنا في بلدان المهجر إنجازات عظيمة. فيخبرنا الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الأشورية في إستراليا الذي يديره وبإقتدار الشماس سامي القس شمعون  بأن المؤسسات التربوية التي تديرها الكنيسة هي:
•   مدرسة القديس ربان هرمزد الابتدائية، للفئة العمرية ( 5 – 12 ) سنوات.
•   دار رعاية الاطفال – النعمة – للفئة العمرية ( 2 – 4 ) سنوات.
•   مركز القديس ربان هرمزد للتعليم المبكر للأطفال ( 4 – 5 ) سنة.
•   كلية مار نرساي الآشورية للفئة العمرية ( 12 – 18 ) سنة.
•   كلية اللغة الاشورية للاعمار 18 فما فوق.
•   اضافة الى بناء قرية القديسة مريم العذراء النموذجية والتي تضم 52 وحدة سكنية لكبار السن والمرضى.
•   كما للكنيسة مدرسة مار كوركيس لتعليم اللغة الآشورية في مدينة ملبرون الإسترالية .
العلم الآشوري وأحرف اللغة الآشورية تزين جدران أحدى صفوف مدرسة مار كوركيس لتعليم اللغة الآشورية في مدينة ملبرون
————————————————–

فمن المؤكد بأن هذه الإنجازات لم يكن أمر تحقيقها وتواصلها نحو آفاق مستقبلية أبعد إلا بوجود خلفها إيمان قوي بهذه الكنيسة وبالأمة مقروناً بجهود مضنية وممارسات فاعلة على طريق الصواب وإصرار وبإرادة قوية على مواصلة السير نحو الأمام من دون تردد أو تلكئ امام العثرات والصعوبات. ليس هذا فحسب فإن توفر كل هذه الصفات والمميزات لتحقيق الفكرة ليست بكافية مالم يسندها ويغذيها تمويل دائم ومستمر قادر على تحريك وتسير هذه الإنجازت لتحقيق أهدافها، كما تفعل الوقود في تحريك سيارة فخمة. صحيح هو أنه كمدرسة وكغيرها من المدارس الخاصة تعتمد في جانب ما على أجور الدراسة التي يدفعها الطلاب والتي في كثير من الأحيان تكون غير كافية ولا تلبي جميع المتطلبات لتكون المدرسة نموذجية. غير أنه من المعروف أن الحكومة الإسترالية لها نظام تمويل ممتاز وفريد من نوعه في تمويل المدارس الخاصة ولكن رغم أهمية هذا، فأنه ليس “بيت القصيدة” بل الأهم هو كيفية فهم هذا التمويل والإستفادة منه بالشكل القانوني والأمثل في تحقيق إنجازات كبيرة لأبناء أمتنا. فغبطة المطربوليت مار ميلس زيا مع القائمين على شؤون المدرسة الآشورية في أستراليا وما لحقها من مؤسسات أخرى أستطاعوا الإستفادة القصوى من هذا التمويل وتسخيره لخدمة أبناء الأمة من خلال تأسيس هذه المؤسسات التربوية والإجتماعية. ففي هذه الأيام أعلن الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الآشورية عن المباشرة ببناء المبنى الضخم لكلية مار نرسي الذي ستكون كلفته الإجمالية بحدود 32 مليون دولار، ليكون بذلك إضافة إخرى إلى الإنجازات السابقة. وتمويل المدارس الخاصة ليس نظام حصراً في إستراليا بل هناك أنظمة تمويل للمدارس الخاصة في بقية بلدان المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا قد تكون مقاربة أو أقل “كرماً” من التمويل الإسترالي،  ولكن من المؤسف له بأن كنائسنا ومؤسساتنا المدنية، بإستثناء قليل في دولة السويد، عاجز تقريبا عن الإستفادة الكلية منها أو تسؤ إستخدامها فتتلاشى فائدتها في ترسيخ وتطوير مقومات وجودنا القومي في بلدان المهجر، فهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي لا نجد مدارس ومؤسسات تربوية لمجتمعاتنا في الولايات المتحدة أو في أوربا كما هو الحال في إستراليا. وهنا أقول بأنه لا يكفي أن يكون مسؤول الأبرشية مؤمن وورع ومتنسك فحسب  بل عليه أن يكون أيضا (Managing Director) أو (CEO) لأننا لسنا في عصر العزلة وزمن حيكاري، والإ ستغوض كنيستنا صراعاً مريراً مع الزمن من أجل البقاء. والقارئ اللبيب يفهم من هذه الإشارة القصد منها.


نموذج لمشروع كلية مار نرسي الذي هو قيد التشييد
———————————

إن الإنجازات العظيمة والجهود المبذولة لإستمرارها كثيرة وعرضها يطول كثيراً، وإختصاراً أقول لمن يرغب المزيد عليه الدخول على الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الآشورية في إستراليا وسيجد كثير الكثير من هذه الإنجازات ويتأكد لجزء مما ذكرناه في أعلاه.

الأبعاد الإستراتيجية القومية للمدرسة الآشورية في إستراليا
——————————-

للوهلة الأولى قد يبدو بأن مسألة المدرسة الآشورية وما تبعها من أنجازات أخرى في أستراليا حالة فريدة وإستثنانية وأن أمر المحافظة على لغة الأم في بلدان المهجر صعب جداً أن لم يكن مستحيلاً خاصة على المدى البعيد ونحن نعرف بأن قانون صراع اللغات لايرحم لغة الأقليات حيث تكون في نهاية المطاف الغلبة للغة الأكثرية السائدة والرسمية خاصة في المجتمعات الديموقراطية التي تكون أبوابها مفتوحة على مصراعيها أمام كل الثقافات واللغات لدخول حلبة الصراع الثقافي واللغوي. من هذه البديهية فأن اللغة الآشورية وبمدرستها في إستراليا كان عليها أن تغوض صراعاً مريراً  مع غيرها من اللغات خاصة الإنلكيزية، اللغة التعليمية والرسمية السائدة في كل مناحي الحياة، من أجل البقاء وإستمرارها على ألسنة أطفالنا. كما أن التعليم بالمناهج الرسمية المقررة وباللغة الإنكليزية مع تعليم اللغة الآشورية كلغة فقط أمر آخر يصُعب مهمة الحفاظ عليها لأجال بعيدة. من هذا المنطلق يجب أن نكون واقعيين وغير مبالغين في تحمسنا وأندفاعنا القومي وأن نتصور بأن المدرسة الآشورية في أستراليا في سياقها الزمي (الألفية الثالثة وعصر العولمة) والمكاني (مجتمع المهجر المنفتح) تسطتيع أن تضمن تخرج طلاب نابغين في اللغة الآشورية وأن يجاري طلابها طلاب المدارس السريانية في وطن الأم الذين يدرسون كل المناهج التدريسية بلغة الأم، ولا أن نتصور بأنها قادرة على خلق عباقرة التاريخ في اللغة أمثال برديصان ومار نرسي وقاشا يوسب قليتا ولا أن يتخرج منها إختصاصون في اللغة أمثال الدكتور عوديشو ملكو والدكتور روبن بيت شموئيل وبينامين حداد والمرحوم  يونان هوزايا وميخائيل ممو مروكي وأمثالهم كثر في أرض الوطن. نعم من المؤكد بأن المدرسة الآشورية لا تستطيع أن تحقق هكذا “معجزات” في هذا العصر وفي بلدان المهجر. ولكن بالمقابل نستطيع التأكيد بأنها ستكون قادرة على أن تجعل تلاميذها قادرين على الحفاظ على لغتهم القومية والتحدث بها ومحاولة صيانتها وحمايتها من الضياع والإنصهار وليس من المستبعد أن يظهر بينهم مهتمين ومختصين بلغتهم القومية خاصة إذا لعبت عوائلهم دوراً إيجابيا وفاعلاً وشجعتهم على الإستمرار في هذا الحقل والتخصص فيه.
ليس هذا فحسب، أي اللغة القومية، فأنه من الإجحاف أن نحصر نشاط المدرسة الآشورية في هذا الحقل فقط بل لها أبعاد إستراتيجية قومية تساعد الحفاظ على كياننا القومي في المهجر ومواجهة تحديات عوامل الإنصهار والضياع. ففي تقرير نشره الموقع الألكتروني المذكور يقول فيه ” تعتبر مدرسة القديس ربان هرمزد الابتدائية، اول مدرسة ينشئها شعبنا في بلاد الغربة ذات منظور استراتيجي ديني وقومي قائم على جمع ابناء وبنات الجالية معاً لترسيخ نمو الوعي والشعور الديني والقومي فيهم، ليتأصل بهم على مر الزمن من اجل حماية طلابنا من مفردات الانصهار والمحافظة على خصوصيتنا الثقافية والحضارية المتميزة التي ورثناها من اجدادنا…”. إضافة إلى هذا الأمر القومي المهم فأن لطلاب المدرسة مكانة متفوقة بين المدارس الإسترالية الآخرى ويشيد لها بالبنان من حيث حسن إدارتها ورفعة سياستها وسعة إنفتاحها للطلاب الآخرين خاص ما حدث في السنوات الأخيرة حيث تم قبول الكثير من طلاب العائلات المهجرة من أرض الوطن إلى إستراليا وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لهم. ويكفي أن نشير هنا، على سبيل المثال لا الحصر، أحتفال المئات من طلاب المدارس الآشورية بذكرى يوم الشهيد الآشوري في العام الماضي، فمثل هذه النشاطات من المؤكد سوف تزرع في ضمائرهم وعقولهم بذرات الفكر القومي و ترسخ فيهم عظمة التاريخ الآشوري، وسيتعزز وجودهم القومي حتماً وسيتضاعف أكثر عندما تحصل إدارة المدرسة على الموافقات الرسمية لتدريس مادة تاريخ الاشوريين.


طلاب المدارس الآشورية في إستراليا يقفون دقيقة واحدة أكراماً لشهداء أمتنا في يوم الشهيد الآشوري
—————————————————

وأخيرا أوكد للقارئ الكريم بأن هذا الموضوع ليس معرفياً ولا إستعراضيا للمدرسة الآشورية في إستراليا وما لحقها من من تأسيس مؤسسات تعليمية وإنسانية وإجتماعية فهذا الأمر يتطلبه عشرات الصفحات المطولة، ولكن هذا الموضوع هو تأكيد للدارسة التحليلية ذات البعد المستقبلي التي كتبتها في عام 1995 عن فكرة تأسيس المدرسة الآشورية في إستراليا التي أطلقها غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا وتتأكد في هذه الأيام من خلال هذه المنجزات الإستثنانية. وفي حينها ذكرت: تبقى فكرة تأسيس المدرسة نفسها كخطوة فكرية أولية في مسيرة العمل القومي الصحيح والواقعي لضمان مستقبل وجود الأمة الآشورية في المهجر كأساس وكمجال حيوي لدعم وإستمرار نضال الآشوريين في بيت نهرين حتى يتم تحقيق مصيرهم القومي بأنفسهم … وهو الأمل الذي ناضل أجدادنا في السابق، ويناضل في هذه الأيام أبناؤنا في الوطن من أجل الصمود والبقاء على أرض الأباء والإجداد، وسيناضل أطفالنا من أجله حتى يتم تحقيقه.