ايمان كنيسة المشرق (الجزء الثالث)، موقف كنيسة المشرق من عقيدة انتقال مريم العذراء الكاثوليكية

ايمان كنيسة المشرق (الجزء الثالث)، موقف كنيسة المشرق من عقيدة انتقال مريم العذراء الكاثوليكية

الشماس نينب رمزي

مريم العذراء ام يسوع المسيح الناصري هل انتقلت؟ ماذا يعني الانتقال؟ موقف كنيسة المشرق من عقيدة الانتقال الكاثوليكية،  شروط الكنيسة الكاثوليكية في الشركة، التأثير المريمي على العلاقات الكاثوليكية البروتستانتية وانعكاسها على ابناء كنيسة المشرق؟

انظري امي ها انا اُحول كل شئ الى جديد… (مشهد من مشاهد فلم آلام المسيح اثناء رفعه للصليب امام امه العذراء مريم)

ما عرفه وتعلمه ابائنا واجدادنا وحتى اليوم ان دور مريم العذراء في تاريخ الانسان المسيحي كان لا شك مؤثرا، فكيف اختار الله ان تكون موطئ روحه في زمن الظلمات والطريقة التي حاورها بها عن طريق الملاك ليبشرها بأنها ستلد المخلص واسمه عمانوئيل ومدى فرحها وتهليلها بكلام الرب فكل هذا هو تابع للايمان العجائبي والذي تم من خلاله تقديس مريم واعتبارها منذ لحظة المحاورة مع الملاك هيكلا مقدسا حين حل عليها الروح القدس وحملت بيسوع المسيح وفيما بعد تلده وتكاد لا تُذكر فيما بعد الا في بعض الاحداث البسيطة في الاناجيل المقدسة كعرس قانا وايجاد المسيح في الهيكل ومشهد الصلب.

الانتقال يعني ان تذهب من مكان لمكان آخر انت وكل ما تملك معك لمكان جديد.

هذا ما شرحته الكنيسة الكاثوليكية عن مريم العذراء واعتقدته في المجمع الفاتيكاني الاول 1854 حيث وضعت عقيدة الحبل بلا دنس لمريم العذراء وفكرة الانتقال كانت تحوم في المجمع حتى اتخذتها عقيدة رسمية عام 1950 واكدت عليه في المجمع الفاتيكاني الثاني (1959_1963) مدعية ان مريم العذراء انتقلت بالروح والجسد من العالم الانساني الى العالم الملكوتي حيث لاقت الفكرة رفضا ارثودوكسيا من حيث المبدأ كونها كانت فكرة البابا بيوس التاسع والبابا بيوس الثاني عشر المتأثرين بالتعبد المريمي الدخيل والذي لم يكن له اي اساس كتابي من الكتاب المقدس حيث اعتبروا العقيدة حديثة غير مبنية على اسس ابائية وبيبلية.

بَنَت الكنيسة الكاثوليكية عقيدة الانتقال المريمية على فرضيات منها:
1. الجسد المريمي جسد مقدس حيث اختاره الرب هيكلا لنمو ابنه الوحيد والمخلص ولا يمكن ان يرى فسادا .
2.  ان مريم العذراء محفوظة من الخطيئة الاصلية لادم! (المجمع التريدنتيني 1483) والا فكيف اختارها الله لتكون والدة المسيح الفادي الذي لا يمكن ان يرث الخطيئة الاصلية لادم على الرغم من الاختلاف كون هذا الحفظ هو بالاصل (اي منذ ولادتها قد اختيرت) او منذ قولها نعم وقبولها لروح القدس من الملاك
3.  ان مريم لا يمكن ان تنفصل عن المسيح ,فكيف يمكن لتلك التي حملته في بطنها وغذته من حليبها وشدته الى صدرها ان تنفصل عنه بالجسد بعدما صعد الى السماء. من كل هذا نتأكد ان العقيدة كانت مبنية على تأثر البابا بالتعبد المريمي الشخصي وطغى ايمانه على ابناء الكنيسة الكاثوليكية وقتها.

بينما حسب ايمان كنيسة المشرق فإن الكنيسة رفضت التسمية والفكرة (الانتقال الجسدي) لعدة اسباب:
1. لا تتبنى اي عقيدة لا جذور لها من الكتاب المقدس او على الاقل ما تقوله الروايات الآبائية حيث لا الكتاب المقدس ولا اباء الكنيسة ولا حتى الليتورجيا يذكرون ان مصير مريم العذراء كان الانتقال بالجسد.
2. الكنيسة الكاثوليكية تبنت الذكرى المريمية من كنيسة المشرق في القرن ال12 حيث لكنيسة المشرق ذكرى (رقاد) مريم العذراء،  الاصلي هو الذي يقام في الشهر الثامن (آب) بينما جعلته كنيسة المشرق 3 تذكارات في السنة كلها مبنية على اساس العيد الاصلي وهو عيد الرقاد اي الموت بالجسد والدفن على غرار كل انسان مع وضع اهمية كبرى لها حيث لها صلوات تتلى في ليتورجيا الكنيسة من صلوات المساء والصباح والقداديس بالضبط كما للقديسين والابرار لا بل اكثر ولكن تلغي فكرة التعبد المريمي الذي اتخذته الكنيسة الكاثوليكية وفكرة الانتقال التي نمت وتطورت في القرنين ال19 وال20.
3. مريم العذراء خلُصت ككل القديسين والابرار بدم المسيح حيث هو وهو فقط الرجاء الوحيد لبني البشر لخلاصهم من خطيئة ادم ولا استثناء في ذلك.
4.  حسب كل المصادر والروايات الابائية, اخنوخ وايليا هما الوحيدين الذين رفعهم الرب اليه بالجسد والروح والرب حل بيننا بالجسد الانساني والروح الالهية وارتفع بنفس الفكرتين.
5. كنيسة المشرق لم تتأثر بعقيدة الانتقال لسبب رأته جليا في رفع مكانة مريم العذراء الى مكانة اكثر مركزية ربما من المسيح نفسه وهو نفس الامر الذي تتبعه لكل القديسين.
حسب كل ما ذُكر وهو مبني على الاساس الليتورجي والذي يعتبر المستند اللاهوتي الرئيسي في كنيسة المشرق نتأكد ان مريم العذراء قد توفت ورقدت و ان لا مجال للفرضيات لتدخل وتغير هذا الفكر (وعندما ترتفعين مع القديسين بتعالي فوق الغيوم للقاء ابنكِ في النهاية) مقطع من تراتيل تتلى في كنيسة المشرق، وان كل من يؤمن بعقيدة الانتقال انما هو متأثر بالعقيدة الكاثوليكية الحديثة.

في الخاتمة ولتعليم ابناء كنيسة المشرق الاحباء نقول: موضوع الانتقال المريمي ناقشته الكنيسة البروتستانتية والكاثوليكية حيث ونتيجة الخلافات الكبيرة في العصر الاصلاحي الحديث لمارتن لوثر والكنيسة الكاثوليكية شكلت هاتين العقيدتين عقدة لم تحل حتى يومنا هذا بين الكنيستين لوجود مشاكل مسبقة بين الكنيستين وشخصيا ارى ان ابناء كنيسة المشرق ليسوا جزء من هذا الخلاف حيث وصل ذروته بين الكنيستين في اواخر القرن الماضي،  ووضعت الكنيسة الكاثوليكية شرطا في محادثاتها وشركتها مع الكنائس الاخرى قبول العقيدتين وبقيت محادثاتها معلقة ليس فقط مع البروتستانت الذين رفضوا عقيدة الانتقال وانما مع كنائس رسولية اخرى حتى اليوم،  وان ايمان كنيسة المشرق المستقيم قد ثُبت سلفا قبل اعلان العقيدتان ومشاكلها بقرون لهذا كنيسة المشرق لم تتقبل عقيدة الانتقال لا بل ايمانها مستقيم ولاهوتها ثابت منذ استلامنا لها من رسل المسيح الاوائل وحتى يومنا هذا.

ان كنيسة المشرق لا تعطي اكثر من الاهمية الواجبة عليها لمريم العذراء كما يفعل الكاثوليك  كما انها لا تقلل من التكريم الواجب لها كما يفعل البروتستانت (مار ابرم موكان مطرابوليط الهند لكنيسة المشرق).

المصادر:
–  كتاب الجوهرة لمار عبديشوع الصوباوي
–  مريم في تصميم الله وشركة القديسين / فرقة دومب الكاثوليكية البروتستانتية
– بحث البكالوريوس للاب الدكتور تياري جونسن
– الكتب الليتورجية لكنيسة المشرق