رسالة ايمان الاباء الاساقفة لكنيسة المشرق عام 612م
رسالة ايمان الاباء الاساقفة لكنيسة المشرق عام 612م
الاركذياقون توما القس ابراهيم
بقوة إلهنا الازلي الصالح وابنه الحبيب يسوع المسيح ربنا ومخلصنا المحيي، أترجم صورة رسالة الايمان المكتوبة من قبل الاباء اساقفة المشرق المجتمعين في العاصمة في السنة الثالثة والعشرون لحكم ملك الملوك كسرى ابن هرمزد، وهي سنة 612م، بسبب جبرائيل السنجاري دروستبيد الذي حثَّ كسرى الملك على ان يدعو الاباء المشارقة للجدال مع عقائد بني معتقده المضادة. حيث طلب منهم ان يفسروا بوضوح ويقين حقيقة ايمانهم. حينئذ بشجاعة باسلة موحدة ودون خوف فسروه بالكلام الآتي:
صورة الرسالة
نؤمن بالطبيعة الواحدة لله الازلي دون بداية، حي ومحيي الكل، قوي وخالق كل القوات، حكيم ومعطي الحكم. غير مركب ولا منقسم ولا جسم له، لا يرى، لا يتغير وغير مائت لا بنفسه ولا بآخر، ولا يمكن ان يتألم او يتغير مع آخر. كامل بجوهره وبكل ما له، لا يمكن ان يقبل الزيادة او النقصان، لانه وحده دون بداية وإله على الكل. المعروف والمعترف به بثلاث اقانيم مقدسة، الاب والابن والروح، ثلاثة اقانيم بطبيعة واحدة دون بداية، أقانيم ذو طبيعة واحدة دون بداية لا تمييز بينها ما عدا خصائص أقانيمهم المتميزة، الابوة، البنوة والانبثاق. وبالبقية فبأي شكل يعترف بالطبيعة عامة، هكذا يعترف بكل واحد من هذه الاقانيم دون نقصان. ففي أن الاب هو غير متألم وغير متغير، هكذا يعترف بالابن والروح القدس، انهم دون ألم وتغيير معه ومثله. وكما يؤمن بالاب دون حد ولا انقسام كذلك يؤمن بالابن والروح القدس دون حد او تركيب. ثلاثة أقانيم كاملة في كل شيء بإلوهية واحدة، قوة واحدة لا تضعف، معرفة واحدة لا تزول، ارادة واحدة لا تنحرف وسلطان واحد لا ينحل. الذي خلق العالم بطيبته، ويدبره بارادته، الذي منذ البدء علــَّم الجنس البشري عن الوهيته بأشياء قصيرة وبسيطة، بحسب فترة التوضيح. وبالرؤى والأمثال خاصة تراءى للقديسين في الزمن الوسطاني من البدء حتى المسيح. وعلـّم بشرائع وعجائب مميزة وفصيحة لتقوية التفكير البشري وتوسيع معرفته. وفي نهاية الازمنة حسن لحكمته التي لا تفهم، ان يكشف ويعرف للبشر أسرار ثالوثه المجيدة العجيبة، ليكبر طبيعتنا ويزرع فيه زرعاً صالحاً، زرع القيامة من بين الاموات والحياة الجديدة التي لا تفسد، والتي لا تقبل التغيير أبداً بحسب قدم معرفته وإرادته الازلية التي لا بداية لها.
وبسببنا نحن البشر ولأجل خلاصنا، جاء ابن الله الكلمة دون تغيير من ابيه الى العالم، وكان في العالم، والعالم كان بيده.
ولان الطبائع المخلوقة لا يمكنها ان ترى طبيعة الوهيته المجيدة جبل لنفسه من الطبيعة الادمية هيكلاً مقدساً بوقار لا يوصف. إنسان كامل من السيدة مريم الطوباوية العذراء القديسة، كمل بتنظيم طبيعي دون مشاركة رجل. لبسه واتحد معه، وبه تجلى للعالم، بحسب بشارة الملاك الذي قال لأم مخلصنا ” الروح القدس يحل عليك، وقوة العلى تظللك. فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله“. ومن الشركة العجيبة والاتحاد دون الانفصال التي صارت للطبيعة الانسانية منذ بدء جبلته، المأخوذة من الله الكلمة آخذها، نعـلـّـم: نعرف أن ربنا يسوع المسيح ابن الله شخص واحد، مولود من الاب بطبيعة الوهيته الازلية، قبل بداية العالمين. وفي نهاية الازمنة ولد من العذراء القديسة ابنة داود بطبيعته الانسانية، بحسب قول الله لداود ” من ثمرة بطنك سأجلس على كرسيك”. ومن بعد هذه الاشياء، الطوباوي مار بولس الرسول في كلامه مع اليهود وضّح عن داود قائلاً ” ومن زرعه أقام الله يسوع المخلص كما وعد”. وفي رسالته الى أهل فيلبي هكذا يكتب ” والان فكروا بانفسكم، فحتى يسوع المسيح الذي هو صورة الله، اخذ صورة العبد”. لماذا لم يدعوا احداً آخر صورة الله الا المسيح بطبيعته الالهية؟ ومجدداً من يسمي صورة العبد غير المسيح بانسانيته. وعن قوله بانه ” اخذ”، الالوهية أخذت الانسانية، وعن ” اخذت” فالانسانية هي التي أخذت بالإلوهية. فاذاً خصائص الطبيعة كلها لا يمكن أن تختلط، لان الذي أخذ لا يمكن أن يؤخذ، ولا أيضاً الذي أُخذ يمكن ان يصبح آخذاً. ولكي يتجلى الله الكلمة في الانسان الذي لبس، وتراءى الطبيعة الانسانية للخليقة بنظام إنسانيته ووحدة غير منفصلة، ابن واحد يجب أن يتواجد كما تعلمنا وهكذا نعترف. فغير ممكن بأية طريقة أن تتحول الالوهية للانسانية أو تتحول الانسانية الى الطبيعة الإلهية والسبب انه كيف يمكن لمن لا بداية له أن يقع تحت ثقل التغيير او الموت. فإن تغيرت الالوهية وخرجت عن طبيعتها فهذا هدم للإلوهية ( حاشا) وإن خرجت الانسانية عن طبيعتها فلا خلاص بها، بل انه خلاص انساني. ولهذا نحن نؤمن بقلوبنا ونعترف بشفاهنا برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الحي، لئلا تخفى إلوهيته ولا تسلب إنسانيته، إله كامل وإنسان كامل. فحين نقول المسيح إله كامل، فنحن لا نقولها للثالوث كله، بل لواحد من الاقانيم الثلاثة والذي هو الله الكلمة. وكذلك لما نقول المسيح هو انسان كامل، فلسنا نقولها للبشر أجمعين بل للاقنوم المعروف المأخوذ للاتحاد مع الله من أجل خلاصنا. ولهذا ربنا يسوع المسيح المولود بإلوهيته من الله أبيه أزلياً ( دون بداية ) في الازمنة الاخيرة، ومن أجل خلاصنا ولد من العذراء القديسة بإنسانيته. فمكث بإلوهيته دون حاجة أو ألم أو تغيير. بينما بإنسانيته من بعد مولده خـُتن وكبر بحسب شهادة لوقا الانجيلي ” كان يسوع ينمو بالقامة والحكمة والنعمة، لدى الله والبشر”. وحفظ الناموس، اعتمذ في نهر الاردن على يد يوحنا، وحينئذ بدأ يبشر بالعهد الجديد، بقوة الوهيته كان يعمل العجائب: تطهير البرص، فتح عيون العميان، إخراج الشياطين، وإقامة الأموات. وبطبيعته الانسانية: عطش، جاع، أكل، شرب، تعب، نام، وفي النهاية سلــّـم ذاته من أجلنا نحن البشر وصلب وقبل الالم والموت. ولم تنتقل معه إلوهيته ولم تقبل الألم، ولفّ جسده بأقمشة الكتان ووضع في القبر ومن بعد ثلاثة أيام قام بقوة إلوهيته كما سبق وقال لليهود قبل صلبه ” انقضوا هذا الهيكل وأنا سأقيمه بثلاثة أيام” ويفسره الانجيلي قائلاَ ” كان يقصد هيكل جسده”. وبعد ان قام جال الارض مع تلاميذه مدة اربعين يوماً، مظهراً لهم يديه ورجليه، قائلاً لهم ” جسوني واعلموا أن الروح ليس له لحم او عظام، بينما أنا لي كما ترون” فبالكلام والجس والعجائب ثبتهم على قيامته ليقوي رجاء قيامتنا بحقيقة قيامته. وبعد أربعين يوماً صعد الى السماء أمام أعين تلاميذه وأخذته غمامة وأختفى من أمام أعينهم بحسب شهادة الكتاب، ونحن نعترف أنه عتيد أن يأتي من السماء بقوة ومجد ملائكته القديسين، وسيقيم الجنس البشري كله، ويدين ويفحص كل الناطقين، كما قال الملائكة للرسل وقت صعوده ” يسوع هذا الذي منكم صعد الى السماء، كما رأيتموه صاعداً الى السماء هكذا سيأتي”. وبهذا نعلمهم أنه صعد الى السماء لكن أقنوم انسانيته لم يتلاشى أو يتغير بل بقي وحفظ باتحاد لا ينفصل مع الوهيته بمجد بهي، حيث به هو عتيد أن يتراءى بتجليه الاخير من السماء لاخجال صالبيه ولفرح وفخر المؤمنين به، فله ولابيه وللروح القدس المجد والاكرام الى الابد الآبدين.
نحب بفكرنا ونعترف بشفاهنا بهذا الايمان المستقيم الذي قبلناه وتعلمناه من تعليم الانبياء والرسل والآباء القديسين الروحي. ونعترف بكل من بشروا به وعلموه واستلموا وقبلوه. سواءً المجامع العامة من زمن لآخر في الغرب والشرق، أشخاص رسميون عرفت أسمائهم في الكنيسة المقدسة. فهؤلاء نقبلهم ونحبهم ونكرمهم كما هم كآباء وأخوة وبنو الايمان. ولكن الذي أنحرفوا عن هدف هذا الإيمان وتعلموا وعلــّموا ضده، فنحن نحسبهم مبغضين وغرباء. فهذا هو تعليم الايمان الحقيقي المعطى والمسلـَّم للكنيسة المقدسة الكاثوليكية الجامعة من الرسل القديسين. وفي أرض فارس منذ أيام الرسل وحتى الآن، لم يتواجد إنسان هرطوقي ( مخالف) أدخل على هذا الايمان انشقاقات. بينما في أرض الروم فمن زمن الرسل وحتى الآن نبعت بينهم مذاهب مخالفة كثيرة ومنفصلة أفسدت كثيرين، وحينما كانوا ينبذون من هناك كان يصل ظلامهم الى هنا بهربهم مثل المانيين والمرقونيين والذين يدخلون في عقيدتهم غير الصحيحة، الألم على الله، حوربوا ونبذوا من الكنيسة المقدسة فمن هناك بدأ مرضهم. خرجوا وجاءوا الى هنا، وهم يتجولون خفاءً بهيئة كاذبة، وهم يدخلون من زوايا خفية على أناس القرى البسطاء. والان نحن نؤمن ونفتكر وننتظر كما صارت أرض الروم تحت سلطان حكمهم الشهير والمجيد، لتأمر سيادتكم بأمر مسموع ومفيد سلطة الولايات والمدن الجديدة، أن يُـصلحوا ويؤمنوا معنا بهذا الايمان الرسولي، الذي قبلناه سوية منذ البداية. ونؤمن بإله واحد حقيقي الذي هو رب كل البرايا، وهو يحفظكم بحسب مشيئته، بوحدة السيادة على العالم كله، الى آبد الآبدين، آمين.