لماذا الزواج؟ لماذا الطلاق؟ الجزء الثاني

لماذا الزواج؟ لماذا الطلاق؟

الجزء الثاني

الخور اسقف اشور لازار

تناولنا في الجزء الاول من هذا الموضوع اهمية الزواج كنظام اجتماعي قائم على رباط روحي طاهر بين المسيحيين، اوجده الله كنظام الهي مبني على المساواة والتفاهم والتكامل بين الرجل والمرأة.

هذه الدعوة للوحدة هي وصية الهية لا تنتهي مع أول مشكلة تظهر بين الزوجين، لانهما تعاهدا امام مذبح الرب في كنيسته المقدسة على اطاعة الله ومحبة الآخر وإكمال احدهما لمتطلبات الطرف الآخر وتحمل بفرح أخطاء الآخر، وعيش حياتهما معا في الضراء قبل السراء. ان سر النجاح في اي علاقة زوجية نابع من مدى خضوع الطرفين لإرادة لله. العائلة المسيحية بعد ان قبلت البركة من الكنيسة في يوم الزواج، اصبحت لا تعيش بقلبين مختلفين بل بقلب واحد عامر بروح الله.

كلمات الوحي الالهي توجه النساء الى الخضوع لأزواجهن، كما للرب، وايضاً توجه الرجال الى محبة نسائهم كما احب المسيح الكنيسة (افسس 5 : 22- 26)، وهذا يشير بوضوح الى ان اي اختلال في هذه العلاقة يؤدي الى ابعاد محبة “الرب” و”الكنيسة” عن العائلة. الهدف السليم من الحياة الزوجية يكمن في رسو سفينة العروسين في ميناء الامان بعيداً عن الامواج المتلاطمة للحياة، بهذا يمكن للزوجين بناء صورة “مصغرة” للكنيسة داخل العائلة، وينشأ الاطفال فيها نشأة مسيحية ويسلكون في العادات الحسنة، ويعكسوا ذلك السلوك خارج الاسرة فيرى الناس “اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات” (مت 5: 16).

 

إن حضور المسيح في قلب العائلة يجلب لها الامان، ويشعرها بنعمة الوحدة وعدم الانقسام، ويسهل مهمتها في التربية الانجيلية الهادفة التي تتجاوب مع خطة الله للخلاص. فحضور المسيح هو قيام هذه الكنيسة المنزلية وتشكيلها لهوية قائمة على اعلان كلمة الله والاقتداء بيسوع المسيح في العالم مبتدئة من دائرة الاطفال الصغيرة ومنطلقة الى المحيط الخارجي حيث المجتمع. في العلاقة الزوجية ينبغي ان لا يكون مجال لانصراف القلوب نحو نظام العالم الذي يعمل فيه الشيطان، لان صورة مستقبل العائلة لا يكمن فقط في انجاب ابناء وبنات يكونون عوناً للوالدين في المستقبل، ولا في تعليمهم بأحسن المؤسسات التعليمية لضمان افضل مستقبل لهم فحسب، بل لان الكنيسة تنظر اليهم بمنظار روحي آخر، قائم على اقتحام نظام هذا العالم ومرتكزات الشر فيه لإنارة الزوايا المظلمة فيه وتوجيه الخطأة والهالكين نحو دفة الخلاص وصوب نور الحياة نحو المسيح.

ان التخطيط لبناء العائلة السعيدة الناجحة يبدأ قبل الزواج، ويخطئ من يظن ان نجاحها يبدأ بعد الزواج، وبالمقابل يخطا ايضاً من يظن ان التعاسة في الحياة الزوجية مصدرها احداث ما بعد الزواج، او ان المشاكل حدثت نتيجة التعرف وعن كثب على الطرف الآخر وطفت على ساحة العائلة سلبياته. الرحلة الى جانب الله في الحياة تبدأ منذ الصغر، فيتعلم الطفل من والديه الكثير عن نموه الروحي، ومصير اي عائلة ينشئها هذا الطفل مستقبلا يبدأ منذ ان يتسلم والداه مسؤولية “الكنيسة المنزلية” امام الكاهن. وأول تعليم يتلقاه هذا الطفل هو في العائلة، الكنيسة الصغيرة الاولى، ومنها يكتسب كل مفاهيم الحياة استعدادا للكبر ومن ضمنها الزواج.

ان دخول الحياة الزوجية من غير استعداد يجلب الكثير من عدم التفاهم بين طرفيها، والتي تتفاقم لاحقاً الى خلافات حادة قد تصل الى الطلاق. وليس الاستعداد عبارة عن حجز قاعة، وتجهيز منزل، شراء بدلات واستئجار مصور، والى آخر هذه القائمة المادية الطويلة، ثم يكون آخر الاستعدادات هو مخاطبة الكاهن بخصوص اتمام مشروع الزواج. كلا فالزواج مسؤولية كبيرة امام الله وهو فرصة للطرفين لاعادة اكتشاف ايمانهما والتجذر العميق فيه على مثال محبة يسوع للكنيسة، فالله هو الذي امر الانسان بالزواج ودعاه الى التكاثر واخضاع الارض واعطاه سلطانا على جميع حيوانات الارض (تك 1: 28). وفي الوقت ذاته دعا الزوجين الى ابراز ايمانهما والتزامهما بالحياة المسيحية الفضلى. ان رسالة يسوع المسيح الذي حضر عرس قانا باعتباره اول عرس مسيحي حدث في التاريخ، تتجاوز معجزة تحويل الماء الى خمر، لان المعنى الرمزي لهذا الحضور الالهي في العرس البشري، تكمن في اعطاء النعمة لمن يحتاجها، ولتبيان علاقته مع الكنيسة، كعروس ابدي، واثبات حضوره الامين والدائم معها.

“الكنيسة العائلية” شاهدة حية للمسيح في العالم، ويقع على عاتقها وظائف كنسية عدة عليها ان تتممها لبناء ملكوت الله على الارض، فاضافة الى تحصين الاطفال بالتنشئة الروحية الصحيحة، فانه يقع على عاتق الطرفين مسؤولية عدم اغماض العينين عن الوصايا الالهية في الكتاب المقدس.

من الاخطاء المدمرة للعلاقة الزوجية، والتي تمزق الشراكة العائلية، هي مسالة تباين الاذواق ومحاولة احد الطرفين الغاء الآخر. دكتاتورية احد الطرفين في البيت ومحاولته استعباد والتضييق على الآخر، وهي فكرة وثنية تماما لا وجود لها في الكتاب المقدس. لذا لابد ان ينبع احترام الزوجة لزوجها من احترام الرجل لزوجته وبالعكس، وهذا هو الطريق نحو توثيق رباط الزواج، والقضاء على المشاكل، في ظل الظروف والتحديات التي تواجه العائلة، بحلوها ومرها. إن المحبة المتبادلة في العائلة مهمة كالطعام والشراب لانجاح مسارات المستقبل، ولن تكون هناك محبة، مالم تتجسد بأفعال تفوح منها رائحة الكتاب المقدس. لقد وصف الرسول بولس في رسالته الى رومية بكل وضوح المحبة قائلا:” لتكن المحبة بلا رياء، كونوا كارهين للشر ملتصقين بالخير، واحبوا بعضكم بعضا كاخوة، مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد، متقدين في الروح، عابدين الرب” ( رو 12: 9- 11)، وهذه الوصايا وغيرها يمكن تطبيقها في العائلة الواحدة.

ويمكن أن يلعب الرجل دورا في هذا او المرأة على حد سواء، يرسم لنا سفر الامثال صورة للمرأة الفاضلة: “امرأة فاضلة من يجدها؟ لأن ثمنها يفوق اللآلئ. بها يثق قلب زوجها، فلا يحتاج إلى غنيمة. تصنع له خيرًا لا شرًا كل أيام حياته” (ام 31: 10 – 12 ).