المدرسة الآشورية في إستراليا فكرة وإجتماع، فجهود وإصرار، ثم إنجازات عظيمة – أبرم شابيرا

 المدرسة الآشورية في إستراليا فكرة وإجتماع… فجهود وإصرار… ثم إنجازات عظيمة

=======================================
أبرم شبيرا

كلمة لا بد منها:
———-

كلما أقرأ خبراً عن المدرسة الآشورية في أستراليا وما لحقها من أنجازات أخرى في تأسيس الكلية الآشورية ومدرسة تعليم اللغة الآشورية وغيرها من المؤسسات الإنسانية والإجتماعية، أنبهرُ كثيراً لا بل أستغرب من هذه الإنجازات الإستثنانية لمجتمعنا في بلد المهجر أستراليا، فتقفز إلى رأسي أفكار وتصورات عن هذا الحدث العظيم الذي يستحق كل التقدير والتثمين والشكر والإمتنان للقائمين على شؤونها، فلا أجد سبيلا لهذا إلا كتابة بعض السطور عنها لكي أبينها كنموذج  لبقية مجتمعاتنا في بلدان المهجر الأخرى يحتدى بها للتحرك نحو أنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل زوال هذه اللغة نهائيا من ألسنة أطفالنا في مجتمعات الضياع والإنصهار. والأغرب من كل هذا وذاك الذي يمتزج بنوع من الأمتعاض هو أن هذا الحدث العظيم في الحفاظ على لغتنا القومية في المهجر، رغم سعة إنتشار أخباره خاصة من خلال الموقع الألكتروني لإخبار كنيسة المشرق الآشورية ورغم أهميته العظيمة إلا أنه لم يهز ضمائر وقلوب وأقلام مثقفي وكتاب أمتنا لا بل وحتى أحزابنا السياسية وتنظيماتنا القومية التي تغني ليل نهار بضرورة الحفاظ على لغتنا القومية، ولم تتحرك ببنت شفة لكتابة بعض سطور التثمين والتقدير والتقييم وحتى النقد. لا لوم عليهم “الله يساعدهم” فشغلهم الشاغل هو التناطح والإنتقادات والتهجم بعضهم على البعض خاصة وأحزابنا السياسية مشغولة جداً باللهوث وراء الكراسي والمناصب فلا وقت لهم للإهتمام باللغة القومية وبتدريسها لأن عند البعض هي لغة لا توكل الخبر. هذا الأمر يذكرني باللغوي المشهور والمؤرخ الكبير المرحوم الشماس كوركيس بنيامين أشيتا طيب الله ذكراه، عندما قال، وهو يحاضر في النادي الثقافي الآشوري في بغداد في بداية السبعينيات من القرن الماضي عن اللغة القومية الآشورية: البعض يقول بأن تعلم اللغة الآشورية لا توكل الخبر… ثم أردف غاضباً ومنفعلاً وقال صارخاً: (خيلا كيبا دبستا)

أي بما معنا (أكل حصى بستا – وهو نوع من الحصى الصلد الذي يتراكم بجوانب الأنهر- كما أعتقد)

فكرة وإجتماع :
———-

كل عمل عظيم أو إنجاز كبير لا يبدأ إلا بفكرة أولية قد تكون بسيطة في بدايتها، لا بل قد تبدو في أحيان أخرى ساذجة ومستحيلة ولكن عندما يسندها إيمان راسخ وإرادة قوية وتصميم جدي ويؤازرها دعماً جماعيا فالإحتمال كبير جداً أن تتحول هذه الفكرة البسيطة إلى عمل مثمر ويحقق إنجازات ربما قد تكون غير متوقعة في بداية الفكرة. هكذا فيما يخص تأسيس المدرسة الآشورية في أستراليا. فقد كانت مجردة فكرة بسيطة ولكن بطموح كبير وإيمان قوي، فكرة راودت نيافة الأسقف مار ميلس زيا، حاليا مطرابوليت كنيسة المشرق الآشورية والوكيل البطريركي لأبرشيات أستراليا ونيوزلنده ولبنان، وشغلت باله وأحتلت قمة إهتماماته. فخلال حديث غبطته أثناء الإحتفال باليوم العالمي للغة الأم في شهر شباط الماضي 2016 ذكر “أنه خلال فترة 30 عاماً التي تواجد فيها خارج العراق فإن المؤشرات كانت تشير دوماً إلى أنه هناك تباعدا للشباب عن العمل القومي والإجتماعي وقلة تفاعلهم بسبب ضعف روابط الصلة بينهم وبين الأمة لفقدان عامل اللغة الذي يشكل أهم عامل في المحافظة على الأصالة والتواصل معها”. هذه كانت  فكرة عكست الواقع الصعب لأبناء أمتنا في أستراليا والذي كان يهدد وجودهم القومي بفقدان لغتهم القومية وتناقص أو إضمحلال الشعور القومي والإنتماء الحقيقي لهذه الأمة خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة والأطفال. وفي حينها أدرك غبطة المطرابوليت بأن مثل هذه الفكرة العظيمة يستوجبها مساندة جماعية من أبناء الأمة ومنظماتهم في أستراليا مدركاً بأن اليد الواحدة لا تستطيع التصفيق وأسماع الصوت لهم ، فما كان من غبطته إلا أن يلجاً إلى أبناء أمته لمناقشة الفكرة وتحقيقها على أرض الواقع.

في عام 1995، وأعتقد كان في بدايته، عقد غبطته إجتماع مع بعض المؤسسات والأحزاب الآشورية في أستراليا وكانت أجندة الإجتماع عن مدى إمكانية تأسيس مدرسة آشورية خاصة في أستراليا. وفي حينها نشر خبر هذا الإجتماع في صحيفة “الآشوري التقدمي” التي كان يصدرها حزب بيت نهرين الديموقراطي – العراق في إستراليا وتحت عنوان ” خطوة في طريق الصواب” فأثار موضوع الإجتماع وهدفه النبيل إهتمامي الكبير وحفزني لأبني بعض التصورات والأفكار عن النظرة المستقبلية والنتائج الإستراتيجية لوجودنا القومي في المهجر متخذا من بادرة تأسيس المدرسة الآشورية حالة للدارسة فكتبت موضوعاً تحت عنوان “أفاق إستراتيجية للوجود القومي الآشوري في المهجر” ونشر في حينها في عدد شباط 1995 من الصحيفة أعلاه ومن ثم نشرتهَ مع بعد التعديلات والإضافات في كتابي المعنون: الآشوريون في السياسية والتاريخ المعاصر الذي أصدره إتحاد الأندية الآشورية في السويد عام 1997 . وفي حينها أخذتُ فكرة تأسيس المدرسة الآشورية بنوع من الجدية لكونها بدأت بداية صحيحة وعلى طريق الصواب، ومن خطى ومشى على الطريق الصواب لا بد أن يصل إلى نهايتها ويحقق الأهدف فيما إذا أسندت بجهود إستثنانية وأستمدت عوامل نجاحها من الإيمان والإصرار والإرادة القوية. فمنذ الوهلى الأولى، وكأنسان قومي مهتم بهذه المسائل، أدركت ومن دون عناء وعسر الأهداف النبيلة للفكرة وأبعادها الإستراتيجية القومية التي تخدم أبناء أمتنا في بلدان المهجر لهذا أندفعت لأكتب بما يجود كوامني الغائرة من أفكار وطروحات عسى أن نساهم من موقعنا في أبراز المعالم العظيمة لهذه الفكرة وأهميتها في إستمرار وتواصل الوجود القومي الآشوري المتميز في بلدان المهجر. وهذه السطور ما هي إلا أمتداد لفترة تزيد عن عقدين من الزمن واكبت منذ بدايتها حتى هذا اليوم كل ما تحقق من إنجازات كبيرة على هذا المستوى، خاصة بعد أن تبرعمت الفكرة والإجتماع وجني ثمارها وتجسدت في المدرسة الآشورية وكلية مار نرسي  وغيرهما من المؤسسات التي تديرها كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا.

جهود وإصرار… ثم إنجازات عظيمة:
——————–

نظرة بسيطة ولكن ثاقبة إلى واقعنا القومي سوف نستدل منها بأن للكثير من أبناء أمتنا أفكار خلاقة ومبدعة ولكن مما يؤسف له بأنها في معظمها تكون عاجزة عن إختراق حدود الفكرة ومن ثم العمل لأنزالها إلى الواقع العملي وتطبيقها وبالتالي تتطاير في الهواء وتختفي. من المؤكد الكثير من قراءنا الأعزاء يدركون عندما تكون المسائل القومية حديث يجمع أثنين أو أكثر من أبناء أمتنا ويشحن حديثهم بالحماس والإنفعال، خاصة عندما يكون “الكأس” وقودا لهذا الحماس، تصبح مسألة تحرير آشور وإعادة بناء الإمبراطورية الآشورية قاب قوسين. ولكن ما أن ينتهي لقاءهم بالوداع حتى تتطاير كل الأفكار من رأسهم وكأن شيئاً لم يكن. لقد شبهت هذا الأمر في السابق في كون لأمتنا هيئة تشريعة قوية ولكن لا تمتلك هيئة تنفيذية. كم من الأفكار المبدعة والطروحات المفيدة لهذه الأمة عرضت ونوقشت ولكن لم تنال حقها من العمل والتنفيذ… لماذا؟؟ لأن لو تفحصنا في كوامنها لنجد بأنها تفتقر إلى مبادرات في بذل الجهود المدفوعة بالإصرار والإرادة القوية والإيمان بالفكرة وإمكانية تحقيقها ومن دون إحباط أو تردد أو تراجع من أول عثرة. والمدرسة الآشورية في إستراليا وما لحقها من إنجازات أخرى مثال في هذا السياق. فمن المؤكد عندما بادر غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا عام 1995 بفكرة تأسيس المدرسة كان يتصور الكثير بأنها فكرة صعبة التحقيق أن لم نقل خيالية ومستحيلة خاصة في مجتمعات كمجتمعنا في المهجر حيث الإستقرار غير مضمون والتكامل مع ظروف المهجر ضعيف وصعب التحقيق والموارد المالية والمعيشية ضئيلة والوقت في معظمه مخصص للهوث الفرد وراء المتطلبات المعيشية الصعبة، هذا ناهيك عن الموارد المالية الضخمة التي يتطلبها تأسيس مدرسة خاصة في مجتمع يكون الغلاء سيد الموقف مضافاً إليه ضعف دخل الفرد الذي يتحكم في قراراته الخاصة والعامة. غير أنه يظهر في يومنا هذا، بأن الفكرة الأولية في تأسيس المدرسة تمخض عنها إنجازات كبيرة ولم تأبى للعثرات والصعوبات التي اعترضت طريقها، لأن الإيمان الصميمي بالفكرة و بالإرادة القوية والمثابر وتحمل الصعاب والتغلب عليها عوامل كلها ساعدت على نقل الفكرة إلى الواقع العملي والتطبيقي وبإنجازات لا مثيل لها في مجتمعاتنا في بلدان المهجر.

فمنذ ولادة فكرة تأسيس المدرسة الآشورية في إستراليا عام 1995 وحتى يومنا هذا تم تحقيق إنجازات تعتبر بمقايس ظروف مجتمعنا في بلدان المهجر إنجازات عظيمة. فيخبرنا الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الأشورية في إستراليا الذي يديره وبإقتدار الشماس سامي القس شمعون  بأن المؤسسات التربوية التي تديرها الكنيسة هي:
•   مدرسة القديس ربان هرمزد الابتدائية، للفئة العمرية ( 5 – 12 ) سنوات.
•   دار رعاية الاطفال – النعمة – للفئة العمرية ( 2 – 4 ) سنوات.
•   مركز القديس ربان هرمزد للتعليم المبكر للأطفال ( 4 – 5 ) سنة.
•   كلية مار نرساي الآشورية للفئة العمرية ( 12 – 18 ) سنة.
•   كلية اللغة الاشورية للاعمار 18 فما فوق.
•   اضافة الى بناء قرية القديسة مريم العذراء النموذجية والتي تضم 52 وحدة سكنية لكبار السن والمرضى.
•   كما للكنيسة مدرسة مار كوركيس لتعليم اللغة الآشورية في مدينة ملبرون الإسترالية .
العلم الآشوري وأحرف اللغة الآشورية تزين جدران أحدى صفوف مدرسة مار كوركيس لتعليم اللغة الآشورية في مدينة ملبرون
————————————————–

فمن المؤكد بأن هذه الإنجازات لم يكن أمر تحقيقها وتواصلها نحو آفاق مستقبلية أبعد إلا بوجود خلفها إيمان قوي بهذه الكنيسة وبالأمة مقروناً بجهود مضنية وممارسات فاعلة على طريق الصواب وإصرار وبإرادة قوية على مواصلة السير نحو الأمام من دون تردد أو تلكئ امام العثرات والصعوبات. ليس هذا فحسب فإن توفر كل هذه الصفات والمميزات لتحقيق الفكرة ليست بكافية مالم يسندها ويغذيها تمويل دائم ومستمر قادر على تحريك وتسير هذه الإنجازت لتحقيق أهدافها، كما تفعل الوقود في تحريك سيارة فخمة. صحيح هو أنه كمدرسة وكغيرها من المدارس الخاصة تعتمد في جانب ما على أجور الدراسة التي يدفعها الطلاب والتي في كثير من الأحيان تكون غير كافية ولا تلبي جميع المتطلبات لتكون المدرسة نموذجية. غير أنه من المعروف أن الحكومة الإسترالية لها نظام تمويل ممتاز وفريد من نوعه في تمويل المدارس الخاصة ولكن رغم أهمية هذا، فأنه ليس “بيت القصيدة” بل الأهم هو كيفية فهم هذا التمويل والإستفادة منه بالشكل القانوني والأمثل في تحقيق إنجازات كبيرة لأبناء أمتنا. فغبطة المطربوليت مار ميلس زيا مع القائمين على شؤون المدرسة الآشورية في أستراليا وما لحقها من مؤسسات أخرى أستطاعوا الإستفادة القصوى من هذا التمويل وتسخيره لخدمة أبناء الأمة من خلال تأسيس هذه المؤسسات التربوية والإجتماعية. ففي هذه الأيام أعلن الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الآشورية عن المباشرة ببناء المبنى الضخم لكلية مار نرسي الذي ستكون كلفته الإجمالية بحدود 32 مليون دولار، ليكون بذلك إضافة إخرى إلى الإنجازات السابقة. وتمويل المدارس الخاصة ليس نظام حصراً في إستراليا بل هناك أنظمة تمويل للمدارس الخاصة في بقية بلدان المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا قد تكون مقاربة أو أقل “كرماً” من التمويل الإسترالي،  ولكن من المؤسف له بأن كنائسنا ومؤسساتنا المدنية، بإستثناء قليل في دولة السويد، عاجز تقريبا عن الإستفادة الكلية منها أو تسؤ إستخدامها فتتلاشى فائدتها في ترسيخ وتطوير مقومات وجودنا القومي في بلدان المهجر، فهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي لا نجد مدارس ومؤسسات تربوية لمجتمعاتنا في الولايات المتحدة أو في أوربا كما هو الحال في إستراليا. وهنا أقول بأنه لا يكفي أن يكون مسؤول الأبرشية مؤمن وورع ومتنسك فحسب  بل عليه أن يكون أيضا (Managing Director) أو (CEO) لأننا لسنا في عصر العزلة وزمن حيكاري، والإ ستغوض كنيستنا صراعاً مريراً مع الزمن من أجل البقاء. والقارئ اللبيب يفهم من هذه الإشارة القصد منها.


نموذج لمشروع كلية مار نرسي الذي هو قيد التشييد
———————————

إن الإنجازات العظيمة والجهود المبذولة لإستمرارها كثيرة وعرضها يطول كثيراً، وإختصاراً أقول لمن يرغب المزيد عليه الدخول على الموقع الألكتروني لكنيسة المشرق الآشورية في إستراليا وسيجد كثير الكثير من هذه الإنجازات ويتأكد لجزء مما ذكرناه في أعلاه.

الأبعاد الإستراتيجية القومية للمدرسة الآشورية في إستراليا
——————————-

للوهلة الأولى قد يبدو بأن مسألة المدرسة الآشورية وما تبعها من أنجازات أخرى في أستراليا حالة فريدة وإستثنانية وأن أمر المحافظة على لغة الأم في بلدان المهجر صعب جداً أن لم يكن مستحيلاً خاصة على المدى البعيد ونحن نعرف بأن قانون صراع اللغات لايرحم لغة الأقليات حيث تكون في نهاية المطاف الغلبة للغة الأكثرية السائدة والرسمية خاصة في المجتمعات الديموقراطية التي تكون أبوابها مفتوحة على مصراعيها أمام كل الثقافات واللغات لدخول حلبة الصراع الثقافي واللغوي. من هذه البديهية فأن اللغة الآشورية وبمدرستها في إستراليا كان عليها أن تغوض صراعاً مريراً  مع غيرها من اللغات خاصة الإنلكيزية، اللغة التعليمية والرسمية السائدة في كل مناحي الحياة، من أجل البقاء وإستمرارها على ألسنة أطفالنا. كما أن التعليم بالمناهج الرسمية المقررة وباللغة الإنكليزية مع تعليم اللغة الآشورية كلغة فقط أمر آخر يصُعب مهمة الحفاظ عليها لأجال بعيدة. من هذا المنطلق يجب أن نكون واقعيين وغير مبالغين في تحمسنا وأندفاعنا القومي وأن نتصور بأن المدرسة الآشورية في أستراليا في سياقها الزمي (الألفية الثالثة وعصر العولمة) والمكاني (مجتمع المهجر المنفتح) تسطتيع أن تضمن تخرج طلاب نابغين في اللغة الآشورية وأن يجاري طلابها طلاب المدارس السريانية في وطن الأم الذين يدرسون كل المناهج التدريسية بلغة الأم، ولا أن نتصور بأنها قادرة على خلق عباقرة التاريخ في اللغة أمثال برديصان ومار نرسي وقاشا يوسب قليتا ولا أن يتخرج منها إختصاصون في اللغة أمثال الدكتور عوديشو ملكو والدكتور روبن بيت شموئيل وبينامين حداد والمرحوم  يونان هوزايا وميخائيل ممو مروكي وأمثالهم كثر في أرض الوطن. نعم من المؤكد بأن المدرسة الآشورية لا تستطيع أن تحقق هكذا “معجزات” في هذا العصر وفي بلدان المهجر. ولكن بالمقابل نستطيع التأكيد بأنها ستكون قادرة على أن تجعل تلاميذها قادرين على الحفاظ على لغتهم القومية والتحدث بها ومحاولة صيانتها وحمايتها من الضياع والإنصهار وليس من المستبعد أن يظهر بينهم مهتمين ومختصين بلغتهم القومية خاصة إذا لعبت عوائلهم دوراً إيجابيا وفاعلاً وشجعتهم على الإستمرار في هذا الحقل والتخصص فيه.
ليس هذا فحسب، أي اللغة القومية، فأنه من الإجحاف أن نحصر نشاط المدرسة الآشورية في هذا الحقل فقط بل لها أبعاد إستراتيجية قومية تساعد الحفاظ على كياننا القومي في المهجر ومواجهة تحديات عوامل الإنصهار والضياع. ففي تقرير نشره الموقع الألكتروني المذكور يقول فيه ” تعتبر مدرسة القديس ربان هرمزد الابتدائية، اول مدرسة ينشئها شعبنا في بلاد الغربة ذات منظور استراتيجي ديني وقومي قائم على جمع ابناء وبنات الجالية معاً لترسيخ نمو الوعي والشعور الديني والقومي فيهم، ليتأصل بهم على مر الزمن من اجل حماية طلابنا من مفردات الانصهار والمحافظة على خصوصيتنا الثقافية والحضارية المتميزة التي ورثناها من اجدادنا…”. إضافة إلى هذا الأمر القومي المهم فأن لطلاب المدرسة مكانة متفوقة بين المدارس الإسترالية الآخرى ويشيد لها بالبنان من حيث حسن إدارتها ورفعة سياستها وسعة إنفتاحها للطلاب الآخرين خاص ما حدث في السنوات الأخيرة حيث تم قبول الكثير من طلاب العائلات المهجرة من أرض الوطن إلى إستراليا وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لهم. ويكفي أن نشير هنا، على سبيل المثال لا الحصر، أحتفال المئات من طلاب المدارس الآشورية بذكرى يوم الشهيد الآشوري في العام الماضي، فمثل هذه النشاطات من المؤكد سوف تزرع في ضمائرهم وعقولهم بذرات الفكر القومي و ترسخ فيهم عظمة التاريخ الآشوري، وسيتعزز وجودهم القومي حتماً وسيتضاعف أكثر عندما تحصل إدارة المدرسة على الموافقات الرسمية لتدريس مادة تاريخ الاشوريين.


طلاب المدارس الآشورية في إستراليا يقفون دقيقة واحدة أكراماً لشهداء أمتنا في يوم الشهيد الآشوري
—————————————————

وأخيرا أوكد للقارئ الكريم بأن هذا الموضوع ليس معرفياً ولا إستعراضيا للمدرسة الآشورية في إستراليا وما لحقها من من تأسيس مؤسسات تعليمية وإنسانية وإجتماعية فهذا الأمر يتطلبه عشرات الصفحات المطولة، ولكن هذا الموضوع هو تأكيد للدارسة التحليلية ذات البعد المستقبلي التي كتبتها في عام 1995 عن فكرة تأسيس المدرسة الآشورية في إستراليا التي أطلقها غبطة المطرابوليت مار ميلس زيا وتتأكد في هذه الأيام من خلال هذه المنجزات الإستثنانية. وفي حينها ذكرت: تبقى فكرة تأسيس المدرسة نفسها كخطوة فكرية أولية في مسيرة العمل القومي الصحيح والواقعي لضمان مستقبل وجود الأمة الآشورية في المهجر كأساس وكمجال حيوي لدعم وإستمرار نضال الآشوريين في بيت نهرين حتى يتم تحقيق مصيرهم القومي بأنفسهم … وهو الأمل الذي ناضل أجدادنا في السابق، ويناضل في هذه الأيام أبناؤنا في الوطن من أجل الصمود والبقاء على أرض الأباء والإجداد، وسيناضل أطفالنا من أجله حتى يتم تحقيقه.