لماذا الزواج؟ لماذا الطلاق؟

لماذا الزواج؟ لماذا الطلاق؟

الخوراسقف اشور لازار

“فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ، عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ، ذَكَرا وَانْثَى خَلَقَهُمْ.
وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلاوا الارْضَ وَاخْضِعُوهَا” (تك 1 : 27-28)

تكشف لنا هذه الايات عن بركة الهية اعطيت للانسان في مقدمة سفر التكوين اثناء لحظة الخلق، فالانسان خُلِقَ على “صورة الله”، أي بمعنى انه مخلوق فريد ومتميز بسبب تقبله نسمة الحياة من فمه، ولهذه الصورة دلالات في الجانب الروحي والايماني، لكون الانسان كائن حي ناطق حر ومفكر، فيبدو لزاماً واكراماً لهذا التفوق بين المخلوقات، ان يقوم باعمال تليق بهذا التميز للمحافظة عليها، من اعمال البر كالصدقة والصوم والصلاة، وهذا ما لا نجده في الكائنات الاخرى.

ان الرجل وحده او المراة وحدها ليسا “صورة الله”، لان الصورة تكمن في كليهما، فكلما كان الانسان على مثال “صورة الله”، كان اقرب الى قداسة الله، والعكس صحيح، فكلما ابتعد عن حفظ “صورة الله” فيه، ازدادت الخطيئة وعواقبها التي تؤدي به الى التعاسة والانغماس في شهوات مهلكة. يكمن واجب الرجل والمرأة في اكرام واحترام هذه الصورة فيهما، وحفظها بعيداً عن لوثة الخطيئة والشر.

خلق الله الانسان في اليوم السادس قبل يوم الاستراحة بيوم واحد، بعد ان سبقته عملية خلق السماء والارض وما تحويانه، فباركهم وقال لهم بصيغة الامر، لتنفيذ اربعة افعال: ” اثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلاوا الارْضَ وَاخْضِعُوهَا” (تك 1 : 28)، وهذا دلالة واضحة الى المشورة الالهية القاضية بسن ناموس طبيعي ثابت للإنسان، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوجود.

هذا الوعد لم يُنْقَضْ عندما ازدادت الخطيئة على وجه الارض في زمن نوح وتشوه بذلك الإنسان “صورة الله” على الأرض. فمع حدوث الطوفان كعقاب الهي للبشر، صدر تأكيد ثان من الله للإنسان عندما اخبرنا الوحي الإلهي من خلال نوح وبنيه ” وبارك الله نوحا وبنيه وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض” (تك 9: 1).

” ليس جيدا أن يكون آدم وحده . فاصنع له معينا نظيره ” ( تك 2: 18)

خلقت حواء من ضلع ادم ولم تخلق من التراب كما خلق هو، وفي هذا الفعل، دليل مساواة ومحبة متبادلة وتضحية من اجل الاخر، فيكون لكليهما وان كانا منفصلين، جسداً واحداً، فيعيشان ملتزمين بعضهما البعض طوال سنين حياتهما. وتلك كانت رسالة السماء للإنسان بعد ان باركته وطلبت منه الإثمار والإكثار وملء الارض. فرسالتها تهدف الى ادخال الفرح والسعادة الروحية للانسان، من خلال عمل الروح القدس في الاتحاد والشراكة.

“لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً” (تكوين 2:24)

من هنا يبدأ تأسيس سر الزواج، كنظام إلهي (تكوين1: 28) مبني على المساواة والتفاهم والتكامل بين الطرفين، وهذا هو فكر الخالق تجاه المخلوق. الزواج هنا هو العودة الى الوحدة، عودة التحام الضلع الذي أُخذ من آدم، فكوّنا معاً، الإنسان، ” صورة الله”. هدف هذا التقارب، السمو بالمحبة البشرية الى حدود المحبة الالهية.

ان الزواج نظام اجتماعي مهم على الارض، قائم على رباط روحي طاهر بين مؤمنين مسيحيين أساسه الحب وليس الشهوة او الغريزة لانه فعل تكريس لحياة المسيح في الاسرة، بسبب كونه التزام جاد امام الله، ومن دون الله لا معنى للزواج او أي ارتباط آخر. فليس الزواج تهرباً من حالة عزوبية، او مرحلة استقرار مريحة يحلم بها الشاب اوالشابة، بل هي دعوة الى الوحدة بين الاثنين وارتباط مصيري يقوده نضج عقلي وانسجام روحي لما تبقى من العمر ووعد ابدي يتعهد به الاثنان الى السير في السراء والضراء باتجاه الحياة الأبدية.

“ويترك الرجل اباه وامه” (تك 2 : 24) هي وصية الهية اعطيت للرجل اولا، في العهد القديم، عاد المسيح واكدها في انجيل متى “وقال.من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا.  إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد” (مت 19: 4-6)، ففعل الترك، يعقبه فعل اللصق، أي بمعنى ان الرجل والمراة يكونان جسداً واحداً.

“ما جمعه الله، فلا يفرّقه الإنسان” (متى  19 : 6)

بارك يسوع المسيح الزواج بحضوره إلى عرس قانا الجليل، وهناك صنع أولى معجزاته بتحويله الماء خمراً ( يو 2 : 1-11(. ان مقولة السيد المسيح اعلاه ترفع العلاقة بين الرجل والمراة الى درجة سامية. وتجعل الزواج واسطة أو فعل لنيل البركة والنعمة من الروح القدس. فالاتحاد في الزواج هو وسيلة للتواصل في حياة مشتركة مقدسة تسمو على الشهوات، وغايتها استمرار وجود الجنس البشري على الارض (تك 9 : 1). وهي دعوة الى الهرب من الموت الابدي من خلال العيش في القداسة الدائمة، لاننا نعيش في ازمنة روحية منذ مجئ المسيح على الارض قبل الفي سنة، ونعيش منذ ذلك الوقت في حالة ترقب لمجيئه الثاني العتيد. لذا لزام علينا ان نرفع مستوى حياتنا الزوجية والفكرية والعملية الى مستوى روحي يقربنا من الله، فلا يوجد في الزواج شيخوخة او يأس، لان الزواج ثمرة للحياة الداخلية المباركة.