مقتطفات من أقوال القديس يوحنا الذهبي الفم عن توبة أهل نينوى

مقتطفات من أقوال القديس يوحنا الذهبي الفم عن توبة أهل نينوى

الشماس نجيب ننو

هلموا لنرسوا قاربنا في بحر توبة اهل نينوى، لنرى من شابهوا الكواسر يدركون رتبة الملائكة. لنرى الذين دمروا المدينة كيف يعيدون بنائها بطريقة فائقة. لنرى من كانوا أعداء الله بالامس يصيرون أصدقائه اليوم، والذين كان السيد متهماً لديهم قبلاً، ينجحون في اقتنائه مدافعاً عنهم. لنرى المحكوم عليهم يسعون لدى القاضي الذي أدانهم، فيلغون الحكمْ.

سمعنا ان المدينة لدى استقبالها النبوة عنها لم تسقط في اليأس، بل دعت إلى التوبة، وبينما لم يكن لها مرشداً للخلاص، بدأت في عبادة الله ومصالحته، فيا ترى ماذا فعلت من أجل هذه المصالحة؟

النساء والاولاد يلبسون المسوح، وكل المهن والأعمال البشرية تتوقف، لا أحد يقوم باي عمل، حزن بلغ الجميع وصراخ أرتفع إلى السماء.

تامل بزوال التميز بين الاسياد والعبيد، الرؤساء والمرءوسين فهوذا الملك قد حضر إلى وسط شعبه، يعدٌّ لخدمة عبادية لله، وكأنه يعد جحفلاً عسكرياً.

يقول السفر ” وبلغ الامر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد” ( يونان 3: 6 ) يا لحكمة الملك، فقد أعلن التوبة التوبة اولاً لكي يجعل من مدينته بحالةٍ أفضل، لانه من ذا الذي يرى الملك يجاهد في طريق الخلاص امامه ولا يتبعه؟

الجراحات تشفى من خلال المسوح، والخطايا تمحى بالتذلل على الرماد، والكبرياء يعالج بالتواضع، والصيام يعالج خطايا التنعم والترفــُّه.

لقد أوصى الملك المرضى بالصيام، وكأنه هو الطبيب، واتبع الذي كان يقضي حياته بالترف، بالصيام ويتبع التعاليم الرسولية، آمراً الحيوانات باتباع البشر في هذا الصيام. يقول الكتاب ” وليتغط بمسوح الناس والبهائم” (يونان 3: 8 )، فيا للترتيب السماوي، وياله من طابور مرعب لعرش الشيطان عندما يرى كامل جيشه الذي تبعه سابقاً يتحول حول جهة الله، لا بل يحارب الشيطان.

في هذه المعركة الروحية الاولاد والنساء والرضع يحاربون إلى جنب الرجال، حتى البهائم تشترك في المعركة من خلال صومها من أجل خلاص نفوس مقتنيها ” الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا، لا ترع ولا تشرب ماء.” ( يونان 3: 7 ). الملك تخلى عن شارات ملوكيته واخذ دور الكهنة بالكرازة والتأديب لاهل نينوى.

يا اهل نينوى، لقد ربحنا في الماضي حروباً كثيرة، فلنساهم الان وبشجاعة أكبر على خلاص نفوسنا، لقد نجحنا سابقاً في أن نكون رؤساء على الاخرين، وعملنا الان يقتضي الا نبيد مع نساءنا وأولادنا في لحظة.

لنرمي السماء بالتسابيح، ونقذفها بالتراتيل بدلا من الرماح، لنطلق مقلاع صلاتنا نحو الله لكي نطفئ غضبه من خلال حرارة دموعنا، لندمر ايضاً أعمالنا الشريرة ولنحارب بالأسلحة الحسنة التي هي، درع البر الذي لا يخترقها سهم، وترس الايمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة، وخوذة الايمان. الدينونة من جهة لنينوى تتلاشى كالدخان امام توبة حقيقية.

فان حاربنا بمثل هذه الاسلحة فاننا نغزو السماء كما غزونا الارض.

تشجعوا يا أهل نينوى، فمن يقاتلنا هو ملك محب للبشر، يطرح اعدائه وهو غير مكترث لتضرعاتهم، ولكنه متى أغاض النظر عن غضبه يصبح الهاً محسناً لاعدائه.

بهذه الاقوال شجع الملك شعبه على التوبة.